للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالرغم من المعارضة طالما كان بنو هاشم على استعداد لحمايته، واذا أراد أحد من قبيلة أخرى أن يعيش فى مكة، وكان هناك الكثيرون فى هذا الوضع، فان عليه أن يكون حليفا لأحد كبار أهل مكة أو لاحدى العائلات الكبيرة، وبالنظر الى سيادة قريش، فان هذا الوضع يتضمن بعض الانتقاص من قدر الاخرين.

مع ذلك كله، لم يكن التكافل القبلى أبدا مطلقا، فأبناء القبيلة ليسوا أناسا اليين بل ادميين ينزعون الى الأنانية، أو ما يسميها لامانس «الفردية» ، لهذا فمن الطبيعى أن يضع أحدهم مصلحته الشخصية فوق مصلحة القبيلة، فكانت هناك دائما قلة من «المشاغبين» ، وهم الذين يثيرون المشاكل بغض النظر عما يكبده ذلك للقبيلة، فكان على القبيلة أن تتبرأ منهم، وكان أحدهم يطلق عليه الخليع*.

وبينما استمر التكافل القبلى فى التحكم فى تصرفات علية القوم، بدأ نوع من الفردية فى تفكيرهم فى الظهور كما تدل على ذلك أشعارهم، فحتى زمن معين، بقدر ما عندنا من العلم، كان الرجل يرضى باظهار مجد قبيلته ودوره فى ارساء هذا المجد، ولكن بدأ الاحساس بوجود الفرد مستقلا عن القبيلة فى النمو وتبع ذلك مشكلة انتهاء وجوده المستقل عند الموت، فما المصير النهائى للانسان؟ وهل الموت هو النهاية؟

عززت ظروف الحياة التجارية فى مكة الاتجاه الى الفردية والبعد عن التكافل القبلى، فبالرغم من أن النظام العام كان معتمدا على نظام العشيرة، الا أنه كان فى امكان عائلة واحدة، أو حتى فرد واحد مع أقربائه أن يكون واحدة قادرة على الاستمرار فى الوجود. ولهذا، كثيرا ما نرى رجالا يعارضون عشائرهم، فأبو لهب** مثلا اتخذ من محمد (عليه الصلاة والسلام) موقفا خالف فيه باقى بنى هاشم. كما جاءت المعارضة لعثمان بن الحويرث من عشيرته، وكذلك أسلم أتباع محمد (عليه الصلاة والسلام) الأوائل بالرغم من معارضة عشائرهم بل حتى ابائهم، ويبدو أن المشاركة التجارية كانت تعلو أحيانا على القرابات.


* أى الذى خلعته القبيلة بمعنى رفضته- (المترجم) .
** وهو عم الرسول عليه الصلاة والسلام- (المترجم) .

<<  <   >  >>