المصطنع» نتيجة للأحلاف أو الجوار (الشكل الاصطلاحى لمنح الحماية) ولأسباب كثيرة، كان الحليف أو الجار يعامل كأحد أفراد القبيلة أو العشيرة، ويكون الحلف أو التحالف عادة بين أنداد، ولكن هذا لا يمنع جماعة ضعيفة من أن تكون حليفة لقبيلة قوية للحفاظ على وجودها.
بينما كانت القبيلة أو تحالف القبائل يمثل أعلى درجات الواحدة السياسية، كان العرب يدركون أيضا أنهم يمثلون واحدة بصورة أو أخرى، وكانت هذه الواحدة على أساس من واحدة اللغة (وان كان هناك بعض الاختلاف بين اللهجات) ، والتراث الشعرى المشترك، والعادات والأعراف والأفكار المشتركة وكذلك الأصل المشترك. وكانت اللغة هى الأساسى الأصلى للتمييز بين العرب و «الأجانب»(العجم) ، وكذلك كان الحال بين الاغريق و «البرابرة» . وكانت الصحراء العربية والشامية هى الأساس الجغرافى للواحدة، وغالبا ما كانت كلمة العرب تعنى «البدو» . أما الأصل المشترك فكان، على وجه التحديد، من واحد من اثنين عدنان أو قحطان، ولكن امتزجت الجماعتان بعد ذلك.
وحتى لو كان هذا الأصل المشترك مجرد خيال، كما يدعى بعض علماء الغرب (وربما كانوا مبالغين فى الشك الى درجة كبيرة) ، فان مجرد وجود هذا الاعتقاد يتضمن بعض الاقرار بالواحدة. ولقد أصبح لهذا المفهوم عند العرب بأنهم أمة واحدة، وما تبع ذلك من أنهم مميزون عن باقى الشعوب (وأعلى منهم) - أهمية كبرى فى الفترة المدنية من حياة محمد (عليه الصلاة والسلام) ، حيث كان يتطلع الى درجة من الواحدة السياسية بين العرب لم يسبقه اليها أحد من القادة العظام فى الجاهلية.
تنطبق مبادىء التكافل القبلى التى ذكرناها بصفة عامة على مجتمع مكة، ولكن لم تكن الواحدة المؤثرة فى زمان محمد (عليه الصلاة والسلام) هى قبيلة قريش ككل ولكن العشائر المستقلة، ولا يزال أمن الفرد وممتلكاته متوقفا على استعداد عشيرته للانتقام لمقتله أو سرقته، وقد يؤدى الامساك برجل بدون اذن زعيم عشيرته الى نزاع، وكان هذا هو الحال فى المدينة فى السنين الأولى القليلة لهجرة محمد (عليه الصلاة والسلام) ، وكان هذا المبدأ أيضا هو الذى مكنه من الدعوة فى مكة