العالية، كانت مسيحية، وكذلك كانت الحبشة، وحتى فى الامبراطورية الفارسية كانت المسيحية قوية، والحيرة التى كانت ولاية تابعة للفرس، وكان العرب على صلة وثيقة بها كانت قاعدة أمامية للكنيسة الشامية الشرقية أو النسطورية. ولا شك أن هذا المزيج من التوحيد والقوة العسكرية والسياسية والمستوى العالى للحضارة المادية قد أثر فى العرب تأثيرا كبيرا. وبالفعل، فقد تحولت القبائل البدوية والمجتمعات المستقرة القريبة من هذه الدول الى المسيحية تدريجيا، وحتى بعض التجار من أهل مكة الذين كانوا يرتحلون الى مدن الأسواق على الحدود للتجارة لم يكونوا بعيدين عن التأثر بما كانوا يرونه، وكذلك كان هناك مسيحيون فى مكة، تجارا وعبيدا، ولكن ربما لم يكن تأثير هؤلاء الأفراد بالدرجة الكافية من الأهمية.
لم تكن فرص الاتصال باليهود كبيرة كما كانت بالنسبة للمسيحيين، ولكن ربما كانت بعض هذه الصلات حميمة، وبخاصة فى المدينة حيث عاش اليهود والعرب الوثنيون جنبا الى جنب، كما كان هناك أيضا عدد من القبائل اليهودية تعيش فى واحات فى شبه الجزيرة العربية وفى المناطق الخصبة من جنوبها، اما لاجئين من بنى اسرائيل أو قبائل عربية اعتنقت اليهودية، ولكن من الواضح أنه لم يكن هناك يهود فى مكة.
اذا تحدثنا عن التفاصيل، نجد أن الجماعات اليهودية والمسيحية التى أثرت على العرب كان لها بلا شك الكثير من الأفكار الغريبة، ولا نعنى بذلك هرطقة الشاميين الشرقيين (النسطوريين) أو أصحاب مبدأ الطبيعة الواحدة للمسيح Monophysites الذى كان عليه باقى أهل الشام والحبشة، فقد كانت تعبيرات علماء اللاهوت التابعين لهاتين الكنيستين معتدلة بالمقارنة بكثير من الأفكار الشاذة المستقاة من بشارات الأسفار المشكوك فى صحتها وما أشبه، والتى يبدو أنها كانت منتشرة فى شبه الجزيرة العربية. ولا شك فى أن ايات القران التى تومىء الى أن الثالوث يتكون من الأب والابن ومريم العذراء انما هى نقد لبعض العرب