للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف انتقلت الأفكار القديمة المتعلقة بالدهر الى التعلق بالله، وقد تغلغلت فكرة الاله فى نفوس العرب، الى درجة أن الوثنيين كانوا يقولون ان خرافتهم كانت أوامر من الله: «وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها» (الأعراف ٢٨) ، وربما كان التفسير الدينى لانسحاب أبرهة من مكة موجودا من قبل القران (حتى لو كان القران قد ذكر الحادثة) كما أن العلم بأن هودا وصالحا* كانا نبيين فى عاد وثمود ربما كان مثالا سابقا للقران لتطبيق المفهوم اليهودى- المسيحيي للنبوة.

واذا كان مسيلمة بنى حنيفة قد ادعى النبوة قبل محمد (عليه الصلاة والسلام) كما يقول البعض، فان هذا يبين كيف كان لمفهوم النبوة جذوره**. وقد انعكس الاستيعاب فى المنظور العربى فى قبول


* تقع مدائن صالح فى طريق قوافل الشام وكان العرب يرونها فى ذهابهم وعودتهم، ولا زالت هذه المدائن الى يومنا هذا خاصة البيوت المنعوتة فى الجبل. وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين (الشعراء ٤٩) فالعرب (وأهل مكة بالذات) كانوا يعرفون مدائن صالح منذ أن كان هناك قوافل الى الشام، كما أن الأحقاف وهى أرض عاد قوم هود تقع فى جنوب شبه الجزيرة العربية فهى أقرب الى العرب من اليهود الذين كتبوا العهد القديم فى فترة السبى فى بابل، فليس هناك أى مبرر للقول بأن العرب قد عرفوا صالحا وهودا عن طريق اليهود (ليس فى العهد الجديد ذكر للأنبياء السابقين) خاصة وأنه من المعروف ولع بحفظ أنسابهم وتاريخهم. كذلك فلاحظ أن الله عز وجل قال بعد ذكر قصة نوح عليه السلام: تلك من أنباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا (هود ٤٩) . بينما لم يذكر مثل هذا التعبير عند ذكر عاد وثمود؛ مما يوحى بأن أخبارهما كانت معروفة للعرب ولو بصورة مجملة- (المترجم) .
** قال البخارى رحمه الله: «قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: ان جعل لى محمد الأمر من بعده اتبعته» . وكان قدوم مسيلمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تسع من الهجرة، أى بعد ٢١ عاما من البعثة، وكان ضمن وفد بنى حنيفة، وهذا دليل على أنه حتى قدومه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قد ادعى النبوة. وقال ابن اسحق (وهو من المراجع الرئيسية التى أخذ عنها المؤلف) : «فلما انتهوا الى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ (أى ادعى النبوة) وتكذب لهم وقال: انى قد أشركت فى الأمر معه (يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام) . أما صفة الكذاب فقد أطلقها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد أرسل مسيلمة رسالة الى الرسول يقول فيها: من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله افرد-

<<  <   >  >>