أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتّى إذا رأيتم في صدغيه الشّيب وجاءكم بما جاءكم به.. قلتم ساحر؟! لا والله ما هو بساحر.
قال الجوهري: حدث: شابّ، فإن ذكرت السنّ؛ قلت: حديث السنّ من الحدوث، لقرب عهده بالوجود
(أرضاكم فيكم) أي: ترضون أفعاله وأحواله،
(وأصدقكم حديثا) أي: قولا ووعدا. (وأعظمكم أمانة.)
هذه شهادة العدوّ؛ فما بالك بغيره!!؟ ... والفضل ما شهدت به الأعداء.
(حتّى إذا رأيتم في صدغيه) - بضم فسكون-: ما بين لحظ العين والأذن (الشّيب) أي: بياض الشعر، لأن الشعر الذي فيه من أعلى العذار وجانب الرأس كثيرا ما يبدو فيه الشيب قبل غيره، فكنّى بذلك عن تمام رجولته وكمال عقله صلّى الله عليه وسلم بمجاوزته سنّ الشباب، وهذا أشدّ في الإنكار عليهم.
(وجاءكم بما جاءكم به) أي: بما أظهر لكم من الحقّ وكلام الصّدق؛ (قلتم) في حقّه: إنه (ساحر) في غيبته وحضوره؟! (لا والله؛ ما هو بساحر!!)
وهذا منه غاية الإنصاف، ولكن غلب عليه الشقاء؛ فقتل صبرا بالصفراء كافرا منصرفه صلّى الله عليه وسلم من بدر، كما ذكره الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قاله الخفاجيّ على «الشفاء» . قال:
والّذي قال «إنّه ساحر» الوليد بن المغيرة، وسبب قول النّضر المذكور أنّ أبا جهل لمّا أراد أن يرضخ رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحجر فتمثّل له جبريل عليه الصّلاة والسلام؛ في صورة فحل، ففرّ هاربا ويبست يده على الحجر.
فلما سمع ذلك النّضر؛ قال: يا معشر قريش.. والله؛ قد نزل بكم أمر؛