(حرف الحاء) ٩٧- ( «حبّ الدّنيا) ؛ أي: تعلّق القلب بها، والانهماك في تحصيلها بأي وجه كان، كالمكاسين والتجّار الّذين يحلفون كذبا لترويج السلعة.
(رأس كلّ خطيئة» ) بشاهد التجربة والمشاهدة، فإنّ حبّها يوقع في الشّبهات ثم في المكروهات، ثم في المحرمات، وطالما أوقع في الكفر، بل جميع الأمم المكذّبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حبّ الدنيا، فكل خطيئة في العالم أصلها حبّ الدنيا، ولا تنس خطيئة الأبوين، فإن سببها حبّ الخلود في الدنيا؛ ولا تنس خطيئة إبليس، فإن سببها حب الرّياسة التي هي شرّ من حبّ لدنيا، وكفر فرعون وهامان وجنودهما ... فحبّ الدّنيا هو الذي عمر النّار بأهلها، وبغضها هو الذي عمر الجنّة بأهلها، ومن ثمّ قيل: الدّنيا خمر الشّيطان، فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلّا في عسكر الموتى، خاسرا نادما.
نعم؛ إذا أحبّ جمع الدنيا لصرفها في مصارفها كإطعام الجائع؛ فهو محمود لا خطيئة، فضلا عن كونه رأس كل خطيئة، ولذا ورد:«نعمت الدّنيا مطيّة المؤمن، بها يصل إلى الخير وينجو من الشّرّ» ، وهذه نصيحة منه صلى الله عليه وسلّم لأمّته.
وإلّا! فكل واحد لا غنى له عن الدنيا، ولو لم يحبّ الناس الدنيا هلك العالم وبطل المعاش، إلّا أنّه علم صلى الله عليه وسلّم أن حبّ الدنيا مهلك؛ وأنّ ذكر كونه مهلكا لا ينزع الحبّ من قلب الأكثر، إلّا الأقلين الذين لا تخرب الدنيا بتركهم؛ فلم يترك النصح؛ وذكر ما في حب الدنيا من الخطر، ولم يترك ذكره؛ خوفا من أن يترك ثقة بالشهوات المهلكة التي سلّطها الله على عباده ليسوقهم بها إلى جهنّم تصديقا لقوله وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [١٣/ السجدة] . الآية