ومنها حياء العبوديّة؛ وهو حياء يمتزج بين محبّة وخوف ومشاهدة عدم صلاحيّة عبوديّته لمعبوده؛ وأنّ قدره أعلى وأجلّ منها، فعبوديّته له توجب استحياء منه لا محالة.
ومنها حياء المرء نفسه، وهو حياء النفوس الشريفة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقنعها بالدّون، فيجد نفسه مستحييا من نفسه حتّى كأنّ له نفسين يستحي بإحداهما من الآخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإنّ العبد إذا استحيا من نفسه؛ فهو بأن يستحي من غيره أجدر. انتهى.
(ومزاحه) - بكسر أوله- مصدر «مازحه» ؛ فهو بمعنى الممازحة، يقال:
مازحه ممازحة ومزاحا؛ كقاتله مقاتلة وقتالا. والمزاح- بالضمّ- مصدر سماعيّ، والقياس الكسر؛ لقول ابن مالك:
وهو الانبساط مع الغير؛ من غير إيذاء له، وبه فارق الاستهزاء والسّخرية.
وإنّما كان صلّى الله عليه وسلم يمزح!! لأنّه كان له المهابة العظمى، فلو لم يمازح الناس لما أطاقوا الاجتماع به والتلقّي عنه. ولذا سئل بعض السلف عن مزاحه؛ فقال: كانت له مهابة، فلذا كان ينبسط مع الناس بالمداعبة والطلاقة والبشاشة.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّه صلّى الله عليه وسلم كان يمزح؛ ويقول:«إنّ الله لا يؤاخذ المزّاح الصّادق في مزاحه» . لكن لا ينبغي المداومة عليه، لأنّه يتولّد عنه الضّحك، ويتولّد عن الضّحك قسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى؛ وعن الفكر في مهمات الدّين، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، لأنه يوجب الحقد ويسقط المهابة، فالإفراط فيه منهيّ عنه، والمباح: ما سلم من هذه الأمور، بل إن كان لتطييب نفس المخاطب ومؤانسته؛ كما كان صلّى الله عليه وسلم يفعله على ندور؛ فهو سنة. وما أحسن قول الإمام الشافعي رحمه الله: