للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّما أنا عبد فقولوا: (عبد الله ورسوله) » .

قال ابن الجوزيّ: ولا يلزم من النهي عن الشيء وقوعه، لأنّا لا نعلم أن أحدا ادّعى في نبينا ما ادّعته النصارى في عيسى!!. وإنّما سبب النهي- فيما يظهر-:

ما وقع في حديث معاذ بن جبل لمّا استأذن في السجود له على قصد التعظيم وإرادة التكريم، فامتنع ونهاه، وكأنّه خشي أن يبالغ غيره بأخوف من ذلك؛ فبادر إلى النهي تأكيدا للأمر، فالمعنى لا تتجاوزوا الحدّ في مدحي بغير الواقع؛ فيجرّكم ذلك إلى الكفر، كما جرّ النصارى إليه لمّا تعدّوا عن الحدّ في مدح عيسى عليه السلام بغير الواقع، واتخذوه إلها. وإلى ذلك أشار في «البردة» بقوله:

دع ما ادّعته النّصارى في نبيّهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

ثم استأنف؛ وقال: (إنّما أنا عبد) ، أي: لست إلّا عبدا لا إلها، فلا تعتقدوا فيّ شيئا ينافي العبودية، (فقولوا عبد الله ورسوله» ) . ولا تقولوا ما قالته النصارى، فأثبت لنفسه ما هو ثابت له من العبودية والرسالة، وأسلم لله ما هو له؛ لا لسواه.

وقد روى الإمام أحمد عن أنس أنّ رجلا جاءه؛ فقال: يا سيّدنا وابن سيّدنا، وخيرنا وابن خيرنا! فقال: «يا أيّها النّاس قولوا بقولكم، ولا يستهوينّكم الشّيطان، أنا محمّد بن عبد الله؛ عبد الله ورسوله» .

وأخرج عن ابن الشخّير أنّه جاءه رجل؛ فقال: أنت سيّد قريش! فقال:

«السّيّد الله» . فقال: أنت أعظمها فيها طولا، وأعلاها قولا. قال: «يا أيّها النّاس قولوا بقولكم، ولا يستهوينّكم الشّيطان» .

وأخرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: استبّ رجلان؛ رجل من المسلمين، ورجل من اليهود. فقال المسلم: والّذي اصطفى محمّدا على العالمين. وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين! فلطم المسلم اليهوديّ، فأتى اليهوديّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخبره، فدعاه فسأله؛ فاعترف. فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>