وقال المناوي في شرح «الجامع الصغير» : ومن لازم التفلّي وجود شيء يؤذي في الجملة؛ كبرغوث وقمل، فدعوى أنّه لم يكن القمل يؤذيه؛ ولا الذباب يعلوه دفعت بذلك، ومحاولة الجمع ب «أن ما علق بثوبه من غيره؛ لا منه» !! ردّت بأنّه نفي أذاه، وأذاه غذاؤه من البدن، وإذا لم يتغذّ لم يعش، انتهى. ومن ثمّ قال الزرقاني؛ كالمناوي: ظاهره أنّ القمل يؤذيه. لكن قال ابن سبع ... إلى آخر ما تقدّم عن الباجوري.
(ويحلب) - بضمّ اللّام ويجوز كسرها- (شاته، ويخدم) - بضمّ الدال وتكسر- (نفسه) عطف عامّ على خاصّ. ونكتته الإشارة إلى أنّه كان يخدم نفسه عموما وخصوصا، وهذا يتعيّن حمله على أنّه كان يفعل ذلك في بعض الأوقات؛ لا دائما، فإنّه ثبت أنّه كان له خدم، فتارة يكون بنفسه، وتارة بغيره، وتارة بالمشاركة.
وفيه ندب خدمة الإنسان نفسه، وأنّه لا يخلّ بمنصبه؛ وإن جلّ. انتهى؛ قاله الزرقاني على «المواهب» . وذكر مثله المناويّ على «الجامع الصغير» .
وقال ملا علي قاري في «جمع الوسائل» - بعد قوله «يخدم نفسه» -: إنّه فسّر بصبّ الماء في الوضوء والغسل على الأعضاء. انتهى.
قال المناوي في «شرح الشمائل» : وفيه الترغيب في التواضع، وترك التكبّر، وخدمة الرجل نفسه وأهله. ولذا قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين؛ إن سرّك أن تلحق بصاحبيك؛ فارفع القميص، وأنكس الإزار، واخصف النعل، وأقصر الأمل، وكل دون الشبع؛ تلحق بهما.
وقد نظم معنى ذلك الحافظ العراقيّ حيث قال:
يخصف نعله يخيط ثوبه ... يحلب شاته، ولن يعيبه
يخدم في مهنة أهله كما ... يقطع بالسّكّين لحما قدما