للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي «صحيح البخاريّ» : «إنّي لأعلمكم بالله، وأشدّكم له خشية» .

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أمرهم؛ أمرهم من الأعمال بما يطيقون؛ قالوا: إنّا لسنا كهيئتك؛ يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر!! فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه. ثم يقول:

«إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» .

ولفظ ترجمة البخاري لأبي ذرّ: «أنا أعرفكم بالله» وكأنه مذكور بالمعنى؛ بناء على ترادفهما.

(وفي «صحيح) الإمام (البخاريّ» ) في «كتاب الأدب» ، وفي «كتاب الاعتصام» ؛ عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: صنع النبي صلى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه، فتنزّه عنه قوم!! فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فحمد الله، ثم قال:

«ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه!! فو الله؛ (إنّي لأعلمكم) - أي: أكثركم علما- (بالله) هذا ظاهر في أنّ العلم بالله درجات، وأنّ بعض الناس فيه أفضل من بعض، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم منه في أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته؛ وما بأحكامه، وما يتعلّق بذلك، فهذا هو الإيمان حقا. (وأشدّكم) - لفظ البخاري: «إنّي لأعلمهم بالله وأشدّهم- (له خشية) ، لأن الله سبحانه جمع له بين علم اليقين وعين اليقين؛ مع الخشية القلبيّة واستحضار العظمة الإلهية؛ على وجه لم يجتمع لغيره. وكلما ازداد علم العبد بربّه ازداد تقواه وخوفه منه، ومن عرف الله صفا له العيش، وهابه كلّ شيء.

فمعناه: ما أنا عليه من العلم والخشية أوفر وأكثر من علمكم وخشيتكم؛ ذكره القاضي عياض.

وقال القرطبي: إنّما كان كذلك!! لما خصّ به في أصل خلقته؛ من كمال الفطنة، وجودة القريحة، وسداد النظر، وسرعة الإدراك، ولما رفع عنه من موانع الإدراك، وقواطع النظر قبل تمامه. ومن اجتمعت هذه الأمور [فيه] سهّل الله عليه الوصول إلى العلوم النظرية، وصارت في حقّه كالضروريّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>