فقيل له: أتتكلّف هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! قال:«أفلا أكون عبدا شكورا؟!» .
عليهما، فهو صلى الله عليه وسلّم أعظم المخلوقات طاعة لربّه، فيندب تشمير ساق الجدّ في العبادة؛ وإن أدّى لمشقّة؛ ما لم يلزم عليه ملل وسامة، وإلّا!! فالأولى ترك ما لزم منه الملل، لخبر:«عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا» أي: عليكم من الأعمال ما تطيقون الدوام عليه، فإنّ الله لا يقطع ثوابه عنكم حتى تملّوا من العبادة. فالمراد من الملل في حقّه تعالى قطع ثوابه. انتهى «باجوري» .
(فقيل له) ؛ أي: قال بعض أكابر الصّحب له، وفي رواية أنّه عمر (: أتتكلّف) - وفي رواية: أتكلّف- (هذا) ، بحذف إحدى التاءين، والأصل «أتتكلّف» كما في الرواية الأولى، أي: أتتحمّل هذه الكلفة العظيمة؟!
والتكلّف نوعان: ١- أن يفعل الإنسان فعلا بمشقّة، وهو ممدوح. وهو المراد هنا. و ٢- أن يفعل فعلا تصنّعا، وهو مذموم. وهذا ليس مرادا هنا.
(و) الحال أنّه (قد غفر الله لك) ، وفي رواية: وقد غفر لك- بالبناء للمجهول- وهي ترجع للرواية الأولى، أي: غفر الله لك (ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر!؟) ، كما قال تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [٢/ الفتح] .
(قال) ؛ أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا للسؤال المذكور، وكأنّ السائل ظنّ أنّه صلى الله عليه وسلّم بالغ في الاجتهاد في العبادة وتحمّل المشاقّ التي لا تطاق؛ خوفا من الذنوب، أو رجاء العفو، لأننا شأننا ذلك، فتعجب من ذلك مع كونه مغفورا له، فسأل هذا السؤال!. فبيّن لهم النبيّ صلى الله عليه وسلّم بقوله:( «أفلا أكون عبدا شكورا!؟» ) أنّه سبب آخر أتمّ وأكمل، وهو الشكر على التأهّل لها مع المغفرة، وإجزال النعمة، فهو إنما يبالغ في الاجتهاد لأداء شكر خالق العباد، أي: أأترك المبالغة في العبادة؛ فلا أكون عبدا شكورا!!؟ فالهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة