يفطره، وليس على حقيقته، فكلمة «بل» للإضراب ظاهرا، وللمبالغة في كثرة الصوم باطنا، لئلا يتوهّم أن ما كان يفطره؛ وإن كان قليلا لكن له وقع كثلثه، فنبّهت عائشة رضي الله عنها بهذا الإضراب على أنه لم يفطر منه إلّا ما لا وقع له؛ كيوم أو يومين أو ثلاثة، بحيث يظنّ أنّه صامه كلّه، وفي الواقع لم يصمه كلّه؛ خوف وجوبه.
واعترض بأن «كلّ» المضافة إلى الضمير تتعيّن للتأكيد، والتأكيد ب «كلّ» لدفع توهّم عدم الشمول تجوّزا؛ فكيف يحمل المؤكّد بها على الشمول مجازا!!
واعتذر بأنّ التأكيد بها قد يقع لغير دفع المجاز، وهو؛ وإن كان فيه ما فيه؛ لكن ضرورة التوفيق بين أطراف الأخبار تحوج إلى إخراج بعض الألفاظ عن ظاهرها.
وأوضح من ذلك في التوفيق: ما ذكره ابن عبد البرّ أنّ أول أمره كان يصوم أكثره، وآخره كان يصوم كلّه. وإنما آثر المصطفى صلى الله عليه وسلّم شعبان على المحرّم؛ مع أنّه أفضل للصوم بعد رمضان- كما في مسلم؛ عن أبي هريرة مرفوعا:«أفضل الصّيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرّم» -!! لأن شعبان لما اكتنفه شهران عظيمان اشتغل الناس بهما؛ فصار مغفولا عنه، مع ما انضم لذلك من رفع الأعمال فيه، أي: رفع جملة أعمال السّنة. أو أنّه لم يعلم فضل صوم المحرم إلّا في آخر حياته قبل التمكّن من صومه! أو أنّه كان يعرض له عذر يمنعه من إكثار الصوم في المحرم كمرض أو سفر! أو أنّه كان يشتغل عن صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر؛ فتجتمع، فيقضيها في شعبان، كما في خبر الطبراني؛ عن عائشة رضي الله عنها «كان يصوم ثلاثة أيّام من كل شهر» ، فربما أخّر تلك حتّى يجتمع عليه صوم السنة؛ فيصوم شعبان!! أو أنّه كان يخصّ شعبان بالصيام تعظيما لرمضان، فيكون بمنزلة تقديم السنن الرواتب في الصلوات قبل المكتوبات.
ويؤيده حديث غريب عند الترمذي؛ أنّه سئل صلى الله عليه وسلّم: أيّ الصوم أفضل بعد