كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفطر على رطبات قبل أن يصلّي، فإن لم يكن رطبات.. فتمرات، فإن لم يكن تمرات.. حسا حسوات من ماء.
وعن أنس أيضا قال: ...
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفطر) من صومه (على رطبات قبل أن يصلّي) المغرب، (فإن لم يكن رطبات) ؛ أي: لم يتيسّر!! (فتمرات) ؛ أي: فيفطر على تمرات، والأفضل أن يكون وترا في الكلّ، (فإن لم يكن تمرات) ؛ ولا نحوها من كلّ حلو؛ أي: لم يتيسّر ذلك!! (حسا حسوات من ماء) . قال العلقمي:
الحسوات- بحاء وسين مهملتين- جمع حسوة- بالفتح-؛ وهي: المرّة من الشرب، والحسوة- بالضم-: الجرعة من الشّراب بقدر ما يحسى مرّة واحدة. انتهى.
قال ابن القيّم: في فطره عليها تدبير لطيف، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا يجد الكبد منها ما يجذبه ويرسله إلى القوى والأعضاء؛ فيضعف، والحلو أسرع شيء وصولا إلى الكبد وأحبّه إليه، لا سيما الرطب، فيشتدّ قبولها؛ فتنتفع به هي والقوى. فإن لم يكن!! فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم؛ فتنتبه بعده للطعام وتتلقاه بشهوة. انتهى.
وقال غيره في كلامه على هذا الحديث: هذا من كمال شفقته على أمّته وتعليمهم ما ينفعهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلوّ المعدة أدعى لقبوله وانتفاع القوى؛ لا سيما القوّة الباصرة، فإنها تقوى به. وحلاوة المدينة المنوّرة التمر، ومرباهم عليه، وهو عندهم قوت وأدم وفاكهة. وأما الماء! فإنّ الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإذا رطبت بالماء انتفعت بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى بالظامئ الجائع البداءة بشرب ماء قليل؛ ثم يأكل. وفيه ندب الفطر على التمر ونحوه، فلو أفطر على خمر؛ أو لحم خنزير؟ صحّ صومه. انتهى مناوي على «الجامع» .
(و) أخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والبيهقي في «سننه» بإسناد صحيح؛ (عن أنس أيضا) رضي الله تعالى عنه (قال: