يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء» ... إلى غير ذلك. فكانت الرحمة في هذه الأمّة أكثر من غيرها من الأمم. وبالجملة فقد ظهر على يد النبي صلّى الله عليه وسلم ما لم يظهر على يد غيره.
(ونبيّ التّوبة) أي: الآمر بها بشروطها المقررّة، أو كثير التوبة إلى الله تعالى، كثير الرجوع إليه؛ «إنّي أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة؛ أو مائة مرّة» .
(وأنا المقفّي) - بكسر الفاء على أنّه اسم فاعل، أو [المقفّى] بفتحها على أنّه اسم مفعول-. فمعناه على الأوّل: الذي قفّى آثار من سبقه من الأنبياء، وتبع أطوار من تقدّمه من الأصفياء. قال تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)[٩٠/ الأنعام] أي: في أصل التوحيد ومكارم الأخلاق؛ وإن كان مخالفا لهم في الفروع اتفاقا. ومعناه على الثاني: الذي قفّى به على آثار الأنبياء وختم به الرسالة، قال تعالى (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا)[٢٧/ الحديد] . وفي ذلك من الفضل له صلّى الله عليه وسلم أنّه وقف على أحوالهم وشرائعهم؛ فاختار الله له من كلّ شيء أحسنه، وكان في قصصهم له ولأمته عبر وفوائد.
(وأنا الحاشر، ونبيّ الملاحم» ) - بفتح الميم وكسر الحاء المهملة- جمع الملحمة؛ وهي: الحرب ذات القتل الشديد، وسمّيت بها!! لاشتباك الناس فيها كالسّدى واللّحمة في الثوب. وقيل: لكثرة لحوم القتل فيها.
وسمّي «نبيّ الملاحم!!» لحرصه على الجهاد ومسارعته إليه، ولم يجاهد نبيّ وأمّته ما جاهد المصطفى صلّى الله عليه وسلم وأمّته.
أو سمّي «نبيّ الملاحم!!» لأنه سبب لتلاحمهم واجتماعهم.
قال الخطّابي: فإن قيل: كيف الجمع بين كونه «نبيّ الرحمة» و «نبيّ الملاحم» ؛ لا سيما مع قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(١٠٧)[الأنبياء] ؛