وكان صلّى الله عليه وسلّم أكثر دعوة يدعو بها:«ربنا؛ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ» .
قال الغزالي: إنّما كان ذلك أكثر دعائه! لاطّلاعه على عظيم صنيع الله تعالى في عجائب القلب؛ وتقلّبه، فإنّه هدف يصاب على الدوام من كلّ جانب، فإذا أصابه شيء وتأثّر؛ أصابه من جانب آخر ما يضادّه فيغيّر وصفه. وعجيب صنع الله في تقلّبه لا يهتدي إليه إلّا المراقبون بقلوبهم، والمراعون لأحوالهم مع الله تعالى.
وقال ابن عربي: تقليب الله القلوب هو ما خلق فيها من الهمّ بالحسن والهمّ بالسوء. فلما كان الإنسان يحسّ بترادف الخواطر المتعارضة عليه في قلبه الذي هو عبارة عن تقليب الحقّ، وهذا لا يقتدر الإنسان على دفعه؛ كان ذلك أكثر دعائه.
يشير إلى سرعة التقليب من الإيمان إلى الكفر وما تحتهما فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)[الشمس] وهذا قاله للتشريع والتعليم. انتهى.
(و) أخرج الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود؛ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه؛ قال صهيب: سأل قتادة أنسا: أيّ دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلّم أكثر؟!. قال:
(كان) رسول الله (صلى الله عليه وسلّم أكثر دعوة يدعو بها: ربّنا) بإحسانك (آتنا في الدّنيا) حالة (حسنة) لنتوصّل بها إلى الآخرة على ما يرضيك.
قال الحرالي: هي الكفاف من مطعم ومشرب وملبس ومأوى وزوجة؛ لا سرف فيها. (وفي الآخرة حسنة) من رحمتك التي تدخلنا بها جنّتك، (وقنا عذاب النّار» ) بعفوك وغفرانك.
قال الطيبي: إنما كان يكثر من هذا الدعاء!! لأنه من الجوامع التي تحوز جميع الخيرات الدنيوية والآخروية. وبيان ذلك: أنّه كرّر الحسنة؛ ونكّرها: تنويعا، وقد تقرّر في علم المعاني: أنّ النكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأولى، فالمطلوب في الأولى: الحسنات الدنيوية من الاستعانة والتوفيق والوسائل التي بها