للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبد الله، ...

(وعبد الله) ، سمّاه الله تعالى به في أشرف مقاماته صريحا؛ في قوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ) [١٩/ الجن] . أو معنى؛ كبقية الآيات لإضافة «عبد» فيها إلى ضميره تعالى، فساوى في المعنى «عبد الله» فلا يرد: أنّه لم يسمّه به إلّا في آية واحدة.

قال تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [٢٣/ البقرة] .

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (١) [١/ الفرقان] ، وقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) [١/ الكهف] ، فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه، وفي مقام التحدّي بأن يأتوا بمثله، وقال تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) [١٩/ الجن] فذكره في مقام الدعوة إليه بالعبودية، وقال تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) [١/ الإسراء] ، وقال (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ)

[١٠/ النجم] . ولو كان له اسم أشرف منه لسمّاه به في تلك الحالات العلية!!.

ولمّا رفعه الله تعالى إلى حضرته السنيّة، ورقّاه إلى أعلى المعالي العلوية، ألزمه- تشريفا له- اسم العبودية. وقد جمع بين صفتها ظاهرا وباطنا؛ فكان يجلس للأكل جلوس العبد، وكان يتخلّى عن وجوه الترفّعات كلّها في مأكله وملبسه ومبيته ومسكنه، كما يأتي تفصيل ذلك كلّه في شمائله؛ إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان، صدقا عمّا في باطنه من تحقّق العبودية لربّه، تحقيقا لمعنى (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [٣٣/ الزمر] .

ولما خيّر بين أن يكون نبيّا ملكا، أو نبيّا عبدا؛ اختار أن يكون نبيّا عبدا، فاختار ما هو الأتمّ، فكان صلّى الله عليه وسلم يقول- كما في «الصحيح» ؛ من حديث عمر-:

«لا تطروني كما أطرت النّصارى عيسى، ولكن قولوا (عبد الله ورسوله) » .

فأثبت ما هو ثابت له من العبودية والرّسالة، وأسلم لله ما هو له؛ لا لسواه. وليس للعبد إلّا اسم العبد، ولذا كان «عبد الله» أحبّ الأسماء إلى الله؛ كما قال صلّى الله عليه وسلم:

«أحبّ الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرّحمن» . رواه مسلم. انتهى «مواهب» .

<<  <  ج: ص:  >  >>