استقبلها بوجهه، وجثا على ركبتيه، ومدّ يديه، وقال:«اللهمّ؛ إنّي أسألك خير هذه الرّيح وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما أرسلت به، اللهمّ؛ اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا، اللهمّ؛ اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا» .
(استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه) أي: قعد عليهما وعطف ساقيه إلى تحته، وهو قعود المستوفز الخائف الّذي إذا احتاج إلى النهوض نهض سريعا، وهو قعود الصغير بين يدي الكبير، وفيه نوع أدب مع الله تعالى، فكان هذا منه صلى الله عليه وسلّم تواضعا لله وخوفا على أمّته، وتعليما لهم في تبعيّته كأنّه لمّا هبت الريح وأراد أن يخاطب ربّه بالدعاء قعد قعود المتواضع لربّه الخائف من عذابه.
(ومدّ يديه) للدعاء (وقال: «اللهمّ؛ إنّي أسألك خير هذه الرّيح وخير ما أرسلت به، [وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما أرسلت به] ، اللهمّ؛ اجعلها رحمة) لنا (ولا تجعلها عذابا) علينا، (اللهمّ؛ اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا» ) .
لأنّ الريح من الهواء، والهواء أحد العناصر الأربع التي بها قوام الحيوان والنبات، حتّى لو فرض عدم الهواء دقيقة لم يعش حيوان، ولم ينبت نبات.
والريح: اضطراب الهواء وتموّجه في الجوّ؛ فيصادف الأجسام فيحللها، فيوصل إلى دواخلها من لطائفها ما يقوم لحاجته إليه، فإذا كانت الريح واحدة جاءت من جهة واحدة، وصدمت جسم الإنسان والنبات من جانب واحد، فتؤثّر فيه أثرا أكثر من حاجته؛ فتضرّه، ويتضرّر الجانب المقابل لعكس مهبّها بفوت حظّه من الهواء؛ فيكون داعيا إلى فساده، بخلاف ما لو كانت رياحا تعمّ جوانب الجسم، فيأخذ كلّ جانب حظّه؛ فيحدث الاعتدال. ذكره المناوي.
وفي «شرح الأذكار» لابن علان رحمه الله تعالى: قال ابن الجوزي في «المنتخب» : قال ابن عباس: الرّياح ثمان؛
أربع للرحمة: المبشرات، والمثيرات، والمرسلات، والرّخاء. قلت: