فليست الأمانة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء؛ من أنّها الوديعة التي لم يضمنها ذو اليد إذا لم يقصر.
وقال النووي: الظاهر أن المراد بالأمانة: التكليف الذي كلّف الله به عباده، والعهد الذي أخذه الله عليهم، وهي التي في قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [٧٢/ الأحزاب] ... الآية.
وفي «النهاية» الأمانة: تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان.
وقال الفخر الرازيّ: قيل: هي التكليف، سمّي أمانة!! لأنّ من قصّر فعليه الغرامة، ومن وفّى فله الكرامة. وقيل: هي لا إله إلّا الله، وهو بعيد. فالأكوان ناطقة بأن الله واحد. وقيل: هي الأعضاء، فالعين أمانة ينبغي حفظها، والأذن كذلك، وبقيّة الأعضاء. وقيل: هي معرفة الله تعالى.
ولما كانت النفوس نزّاعة إلى الخيانة روّاغة عند مضائق الأمانة، وربّما تأوّلت جوازها مع من لم يلتزمها أعقبه بقوله:
(ولا تخن من خانك» ) ؛ أي: لا تعامله بمعاملته، ولا تقابل خيانته بخيانتك؛ فتكون مثله، وليس منها ما يأخذه الإنسان من مال من جحده حقّه إذ لا تعدّي فيه. أو المراد: إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته، وإن كان حسنا؛ أي: جائزا، بل قابله بالأحسن الذي هو العفو، وادفع بالّتي هي أحسن، وهذا- كما قاله الطيبي- أحسن.
وهذه مسألة تتكرّر على ألسنة الفقهاء ولهم فيها أقوال؛
الأول: لا تخن من خانك مطلقا، وهذا ظاهر الحديث.
الثاني: خن من خانك! قاله الشافعي، وهو مشهور مذهب مالك!!
وأجابوا عن هذا الحديث بأنّه لم يثبت، أو المعنى: لا تأخذ منه أزيد من حقك، أو هو إرشاد إلى الأكمل كما مرّ، واحتجّوا بقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ