قال السخاوي وغيره: والأحاديث الواردة في التحدث بالنّعم محمولة على ما بعد وقوعها؛ فلا تعارض هذا!!
نعم إن ترتب على التّحدث بها حسد فالكتمان أولى. انتهى.
وأخذ من الحديث أن على العقلاء إذا أرادوا التشاور في أمر إخفاء التحاور فيه؛ والاجتهاد في طيّ سرّهم.
قال الشافعي: من كتم سرّه كانت الخيرة في يده. قال: وروي لنا عن عمرو بن العاصي أنّه قال: ما أفشيت إلى أحد سرّا فأفشاه فلمته، لأنّي كنت أضيق منه سرّا.
وقال بعض الحكماء: من كتم سرّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، وكم من إظهار سرّ أراق دم صاحبه ومنع من بلوغ مأربه!! ولو كتمه كان من سطواته آمنا! ومن عواقبه سالما، وبنجاح حوائجه فائزا!
وقال بعضهم: سرّك من دمك، فإذا تكلّمت فقد أرقته.
وقال أنوشروان: من حصّن سرّه فله بتحصينه خصلتان: الظّفر بحاجته، والسّلامة من السّطوات.
وفي «منثور الحكم» : انفرد بسرّك، ولا تودعه حازما فيزول، ولا جاهلا فيحول؛ لكن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق ومشورة ناصح فيتحرّى له من يأتمنه عليه ويستودعه إيّاه؛ فليس كلّ من كان على الأموال أمينا كان على الأسرار أمينا، والعفّة عن الأموال أيسر من العفّة عن إذاعة الأسرار.
قال الراغب: إذاعة السّرّ من قلّة الصّبر وضيق الصّدر، ويوصف به ضعفة الرجال والنساء، والسبب في صعوبة كتمان السّر أنّ للإنسان قوّتين: آخذة؛ ومعطية، وكلتاهما تتشوّف إلى الفعل المختصّ بها، ولولا أنّ الله وكّل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده، فصارت هذه القوّة تتشوّف إلى