وقال في «التمييز» : ويشهد له ما ثبت في «سنن أبي داود» عن سعد قال:
مرضت مرضا فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعودني، فوضع يده بين ثدييّ حتّى وجدت بردها على فؤادي، وقال لي:«إنّك رجل مفؤد فأت الحارث بن كلدة من ثقيف، فإنّه رجل يطبّ ... » الحديث.
٢٣- ( «استفت قلبك) ؛ أي: اطلب الفتوى من قلبك، وعوّل على ما فيه؛ لأنّ للنفس شعورا من أصل الفطرة بما تحمد عاقبته فيه وما تذمّ؛ فيطمئن القلب للعمل الصالح طمأنينة تبشّره بأمن العاقبة، ولا يطمئنّ للإثم بل يورثه نفرة وتندّما وحزازة؛ لأن الشرع لا يقرّ عليه، وفي رواية:«استفت نفسك»(وإن) غاية لمقدّر دلّ عليه ما قبله، أي: فالتزم العمل بما في قلبك وإن (أفتاك النّاس) ؛ أي: علماؤهم كما في رواية: وإن أفتاك المفتون (وأفتوك» ) بخلافه، فرّخصوا لك فيه، لأنهم إنما يطّلعون على الظّواهر لا السّرائر.
والجمع للتأكيد!! كما في قوله تعالى فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ [١٧/ الطارق] فأتى بالثاني تأكيدا للأول، قال النووي في «شرح الأربعين» مثاله: الهدية إذا جاءتك من شخص غالب ماله حرام وتردّدت النفس في حلّها وأفتاك المفتي بحلّ الأكل، فإن الفتوى لا تزيل الشّبهة، وكذلك إذا أخبرته امرأة بأنه ارتضع مع فلانة، فإن المفتي إذا أفتاه بجواز نكاحها لعدم استكمال النّصاب لا تكون الفتوى مزيلة للشبهة، بل ينبغي الورع؛ وإن أفتاه الناس.
لكن قال المناوي: قال حجة الإسلام الغزالي: ولم يردّ كلّ أحد لفتوى نفسه، وإنّما ذلك ل «وابصة» في واقعة تخصّه. انتهى.
قال البعض: وبفرض العموم؛ فالكلام فيمن شرح الله صدره بنور اليقين فأفتاه غيره بمجرّد حدس أو ميل من غير دليل شرعي، وإلّا! لزمه اتباعه، وإن لم ينشرح له صدره. انتهى.