للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

كثيرة؛ وهذه من جملتها، ثم قال:

فإن قلت: فبماذا يصير ذا لسانين! وما حدّ ذلك؟ فأقول: إذا دخل على متعاديين وجامل كلّ واحد منهما؛ وكان صادقا فيه لم يكن منافقا، ولا ذا لسانين.

فإنّ الواحد قد يصادق متعاديين؛ ولكنّ صداقته ضعيفة لا تنتهي إلى حدّ الأخوّة، إذ لو تحققت الصداقة لا قتضت معاداة الأعداء.

نعم؛ لو نقل كلام كلّ واحد إلى الآخر فهو ذو لسانين، وذلك شرّ من النّميمة لأنّه يصير نمّاما بمجرّد نقله من أحد الجانبين.

فإذا نقل من كلّ منهما؛ فقد زاد على النميمة.

وإن لم ينقل كلاما؛ ولكن حسّن لكلّ واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه؛ فهو ذو لسانين أيضا.

وكذا إن وعد كلّا منهما بأنّه ينصره، أو أثنى على كلّ في معاداته، أو على أحدهما مع ذمّه له؛ إذا خرج من عنده، فهو ذو لسانين في كلّ ذلك. انتهى من «الزواجر» .

وفي «الشهاب الخفاجي» أنّه يقال له «ذو الوجهين» و «ذو اللّسانين» ، ويقال له «ذو الأوجه» كما قال:

وكم من فتى يعجب النّاظرين ... له ألسن وله أوجه

وهذا القول مجاز؛ لأنّه عليه الصلاة والسلام لم يرد تثنية الوجه الّذي هو العضو المخصوص على الحقيقة، لأنّ استحالة ذلك في الإنسان معلوم ضرورة.

وإنّما أراد ذمّ المنافق الّذي ظاهره يخالف باطنه، وحاضره يضادّ غائبه، فكأنّه يلقى أخاه في مشهده بصفحة المودّة، ويتناوله في مغيبه بلسان الذمّ والعصبيّة.

فشبّه عليه الصلاة والسلام هاتين الحالتين لاختلافهما بالوجهين المختلفين، لتباين ما بينهما. وقوله (لا يكون عند الله وجيها» ) ! أي: ذا قدر ومنزلة. يعني:

<<  <  ج: ص:  >  >>