وهذا من بديع حكمته صلى الله عليه وسلّم ووجيزها؛ لأنّه لمّا علم أنّ أسباب العظات كثيرة؛ من العبر والآيات، وطوارق الآفات، وسوء عواقب الغفلات، ومفارقة الدّنيا وما بعد الممات؛ قال في عظة الموت كفاية عن جميع ذلك، لأنّ الموت ينزعه عن جميع محبوباته في الدّنيا ومخوفاته؛ إمّا إلى الجنّة، وإمّا إلى ما يكرهه، وذلك يوجب المنع من الرّكون إلى الدّنيا، والاستعداد إلى الآخرة وترك الغافلة. انتهى «مناوي» .
قال: في «الكشف» : في سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف. وفي «العزيزي» : إنّه حديث حسن لغيره.
١٧٢- ( «كلّ آت) ؛ من الموت والقيامة والحساب والوقوف (قريب» ) ، وأنت سائر على مراحل الأيّام واللّيالي إليه، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧)[المعارج] .
فالجاهل يراه بعيدا لعمى قلبه، والمؤمن الكامل يراه بنور إيمانه قريبا؛ كأنّه يعاينه؛ فبذل دنياه لآخراه، وسلّم نفسه لمولاه، فلا تغرّنّك الدّنيا، فجديدها عمّا قليل يبلى، ونعيمها يفنى، ومن لم يتركها اختيارا؛ فعمّا قريب يتركها اضطرارا، ومن لم تزل نعمته في حياته زالت بمماته.
قال ابن عطاء الله السّكندري: لا بد لهذا الوجود أن تنهدم دعائمه، وأن تسلب كرائمه. فالعاقل من كان بما هو أبقى أوثق منه بما هو يفنى.
وقال بعض الحكماء: من كان يؤمّل أن يعيش غدا فهو يؤمل أن يعيش أبدا.
قال الماوردي: ولعمري؛ إنّه صحيح! إذ كل يوم غدا، فإذا يفضي به الأمل إلى الفوت من غير درك، ويؤديه الرّجاء إلى الإهمال بغير تلاف.
وقال الحكماء: لا تبت على غير وصيّة، وإن كنت من جسمك في صحّة، ومن عمرك في فسحة، فإنّ الدّهر خائن، وكل ما هو آت كائن. انتهى «مناوي» .