وأصل الملاك استحكام القدرة؛ يعني أنّ إحكام الدّين يكون بالورع، بمعنى أنه إذا وجد كان الدّين على غاية من الكمال، وذلك لأن الورع دائم المراقبة للحقّ، مستديم الحذر أن يمزج باطلا بحقّ؛ كما قال الحبر ابن عباس: كان عمر كالطّير الحذر.
والحديث أخرجه أبو الشيخ ابن حيان، والدّيلمي؛ كلاهما عن عبادة بن الصّامت. وأخرجه الخطيب وابن عبد البرّ؛ كلاهما عن ابن عباس. وأخرجه ابن عبد البر؛ عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين. وذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز أبي الشيخ بن حيّان.
٢١٢- ( «المكر) : إضمار السوء لغيره (والخديعة) : إيصال المكروه للغير، من حيث لا يعلم (في النّار» ) ومعناه- كما قال العسكري-: أنّ صاحب المكر والخداع لا يكون تقيّا، ولا خائفا لله، لأنه إذا مكر غدر، وإذا غدر خدع، وإذا فعلهما أوبق نفسه، وهذا لا يكون في تقي، فكلّ خلّة جانبت التّقى فهي في النّار؛ أي صاحبها. انتهى.
ومقتضى هذا تغاير المكر للخديعة، لأنّه جعل المكر سبب الغدر، وهو سبب الخديعة؛ والسبب مغاير للمسبب!! وفي «القاموس» وغيره: المكر الخديعة!!
والجواب: أنّه جرد المكر عن معناه، كما ذكرناه؛ فلا يخالف ترادفهما.
وقال الرّاغب: المكر والخديعة متقاربان، وهما اسمان لكلّ فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره؛ ويكون سيّئا، كقصد إنزال مكروه بالمخدوع.
وإيّاه قصد صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ومعناه يؤدّيان بقاصدهما إلى النّار، ويكون حسنا؛ وهو أن يقصد فاعلهما مصلحة بالمخدوع والممكور به، كما يفعل بالصّبي إذا امتنع من فعل خير، ولكونهما ضربين قال تعالى وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)[فاطر] ، ووَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [٤٣/ فاطر] ووصف نفسه بالمكر الحسن؛ فقال وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)[آل عمران] . انتهى زرقاني على «المواهب» .