للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حول الحمى.. يوشك أن يواقعه» .

٢٣٢- «من رضي بقسمة الله.. استغنى» .

(حول) - يعني جانب- (الحمى) - بكسر الحاء المهملة وفتح الميم مخففة، أي: المكان المحميّ، والمراد به موضع الكلأ الذي منع منه الغير، وتوعّد من رعى فيه- (يوشك) - بكسر الشين مضارع «أوشك» بفتحها أي: يقرب- (أن يواقعه» ) ؛ أي: تأكل ماشيته منه؛ فيعاقب.

شبّه أخذ الشهوات بالراعي، والمحارم بالحمى، والشّبهات بما حوله، فكما أنّ الرّاعي الخائف من عقوبة السلطان يبعد، لأنّه يلزم من القرب منه الوقوع وإن كثر الحذر؛ فيعاقب، كذلك حمى الله تعالى؛ أي: محارمه الّتي حظرها لا ينبغي قرب حماها؛ فضلا عنها، لغلبة الوقوع فيها حينئذ فيستحقّ العقوبة، وأنّ الّذي ينبغي تحرّي البعد عنها، وعمّا يجرّ إليها من الشّبهات ما أمكن، حتّى يسلم من ورطتها.

ومن ثمّ قال تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها [١٨٧/ البقرة] ، نهى عن المقاربة حذرا من المواقعة! والقصد إقامة البرهان على تجنّب الشّبهات، لأنّه لمّا كان حمى الله لا يدركه إلّا ذو البصائر؛ كان فيه نوع خفاء فضرب له المثل بالمحسوس، بخلاف حمى الملوك، فإنّه محسوس يحترز عنه كلّ بصير. انتهى ابن حجر «شرح الأربعين» ، ومناوي على «الجامع» .

وهذا قطعة من حديث أخرجه أهل الكتب السّتّة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه؛ عن النّعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وله فوائد جمّة أفردت بالتّأليف، حتى قال بعضهم: إنّه عليه نور النّبوة، عظيم الموقع من الشّريعة.

٢٣٢- ( «من رضي بقسمة الله) - تعالى أي: قنع بما أعطاه الله تعالى؛ ولم يتضجّر، ولم يتسخّط، وشكر الله- (استغنى» ) : اتّصف بالغنى الحقيقي الّذي هو الغنى عن الشّيء؛ لا به، وهو القناعة المحمودة، الّتي توجد في أفراد من النّاس، فليحمد الله على ما أكرمه الله به.

<<  <  ج: ص:  >  >>