فيتناول الأقوال كلّها والأكل والشّرب وسائر ما يتأتّى بالفم من النّطق، والفعل؛ كتقبيل وعضّ وشتم.
قال- أعني الدّاودي-: ومن تحفّظ من ذلك أمن من الشرّ كلّه، لأنّه لم يبق إلّا السّمع والبصر. قال الحافظ: وخفي عليه أنّه بقي البطش باليدين؛ وإنّما محمل الحديث على أنّ النّطق باللّسان أصل في حصول كل مطلوب، فإذا لم ينطق به إلّا في خير سلم.
وقال ابن بطّال: دلّ الحديث على أنّ أعظم البلايا على المرء في الدّنيا لسانه وفرجه، فمن وقي شرّهما وقي أعظم الشّرّ. انتهى. يعني فخصّهما بالذكر لذلك.
وقال الطّيبي أصل الكلام: من يحفظ ما بين لحييه من اللّسان والفم فيما لا يعنيه من الكلام والطّعام يدخل الجنّة، فأراد أن يؤكّد الوعد تأكيدا بليغا، فأبرزه في صورة التّمثيل ليشير بأنّه واجب الأداء؛ فشبّه صورة حفظ المؤمن نفسه، بما وجب عليه من أمر النّبي صلى الله عليه وسلم ونهيه، وشبّه ما يترتّب عليه من الفوز بالجنّة، وأنّه واجب على الله تعالى بحسب الوعد أداؤه، وأنّه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة والشّفيع بينه وبين الله تعالى بصورة شخص له حقّ واجب الأداء على آخر، فيقوم به ضامن منّا يتكفّل له بأداء حقّه، وأدخل المشبّه في جنس صورة المشبّه به، وجعله فردا من أفراده، ثمّ ترك المشبّه به، وجعل القرينة الدّالة عليه ما يستعمل فيه من الضّمان؛ ونحوه في التمثيل إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [١١١/ التوبة] انتهى. شرح الزّرقاني على «المواهب» ، وشروح «الجامع الصغير» .
والحديث ذكره في «كشف الخفا» ، وفي «المواهب» وقالا: رواه جماعة؛ منهم العسكري عن جابر بهذا اللّفظ مرفوعا.
وأخرجه البخاري في «الرّقاق» و «المحاربين» ، والتّرمذيّ في «الزّهد» ؛ وقال: حسن صحيح غريب؛ كلاهما عن سهل بن سعد السّاعدي بلفظ: