قال: يا رسول الله؛ أفلا أخبر بها النّاس فيستبشروا؟ قال:«إذا يتّكلوا» . فأخبر بها معاذ- عند موته- تأثّما. رواه الشّيخان:
البخاريّ ومسلم.
قوله:(تأثّما) أي: خوفا من الإثم في كتم هذا العلم.
أو المراد: تحريم النّار على اللّسان النّاطق بالشّهادتين، كتحريم مواضع السّجود.
(قال) - أي معاذ- (: يا رسول الله؛ أفلا) - بهمزة الاستفهام، وفاء العطف المحذوف معطوفها، والتّقدير: أقلت ذلك فلا- (أخبر بها النّاس فيستبشروا؟!) نصب بحذف النّون لوقوع الفاء بعد النّفي؛ أو الاستفهام، أو العرض، وهي تنصب في كلّ ذلك، والتّقدير: فأن يستبشروا.
(قال) صلى الله عليه وسلم: ( «إذا) - أي: إن أخبرتهم- (يتّكلوا» ) . بتشديد المثنّاة الفوقيّة، وكسر الكاف، أي: يعتمدوا على الشّهادة المجرّدة، وهو جواب وجزاء ونصب.
(فأخبر بها معاذ- عند موته-) - أي: موت معاذ (تأثّما) - بفتح المثنّاة الفوقية؛ وفتح الهمزة؛ وتشديد المثلّثة المضمومة؛ أي: تجنّبا عن الإثم- (رواه الشّيخان: البخاريّ) في «كتاب العلم؛ باب: من خصّ بالعلم قوما دون قوم» .
(ومسلم) واللّفظ له في «كتاب الإيمان؛ باب: الدّليل على أنّ من مات على التّوحيد دخل الجنّة قطعا» ؛ كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرّحل قال:«يا معاذ ... » فذكره.
(قوله: «تأثّما» ) ؛ بالتّشديد. (أي: خوفا من) الوقوع في (الإثم في) أي: بسبب- (كتم هذا العلم) الّذي أمر الله بتبليغه، حيث قال وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [١٨٧/ آل عمران] ، وليس فيه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ نهيه مقيّد بالاتّكال، إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام، فلما زال القيد، وصاروا حريصين على العبادة لم يبق نهي، أو أنّ النّهي لم يكن للتّحريم، بل للتّنزيه، وإلّا! لما كان يخبر به أصلا. قال في «الفتح» : وهذا أوجه، لكون معاذ أخّر ذلك إلى وقت موته. والله أعلم.