وفي «سنن ابن ماجه» : عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما مررت ليلة أسري بي بملأ..
إلّا قالوا: يا محمّد؛ مر أمّتك بالحجامة» ...
وأخذ من إثباته الشّفاء في الكيّ، وكراهته له؛ أنه لا يترك مطلقا، ولا يستعمل مطلقا، بل عند تعيّنه طريقا إلى الشّفاء، مع مصاحبة اعتقاد أنّ الشّفاء بإذن الله تعالى
وعلى هذا التّفصيل يحمل حديث المغيرة:«من اكتوى واسترقى برىء من التّوكّل» والله أعلم. انتهى شروح «الجامع الصّغير» .
(وفي «سنن ابن ماجه) محمد بن يزيد القزويني رحمه الله تعالى قال: حدّثنا جبارة بن المغلّس؛ قال: حدّثنا كثير بن سليم؛ (عن أنس) ؛ أي: ابن مالك لأنّه المراد عند إطلاق لفظ «أنس» ، فإذا أريد غيره قيّد (رضي الله تعالى عنه) ، وهو حديث منكر، لأنّ فيه كثير بن سليم الضّبيّ ضعّفوه- كما في «الميزان» وعدّوا من مناكيره هذا-؛ قاله المناوي.
ورواه التّرمذيّ؛ عن ابن مسعود بمخالفة يسيرة، وفي سنده راو مضعّف، وقال التّرمذيّ: حسن غريب، من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(قال) ؛ أي: أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مررت ليلة أسري بي) إلى السّماء (بملأ) ؛ أي: جماعة (إلّا قالوا: يا محمّد؛ مر أمّتك بالحجامة) ؛ لأنهم من بين الأمم كلّهم أهل يقين، فإذا اشتعل نور اليقين في القلب ومعه حرارة الدّم؛ أضرّ بالقلب وبالطّبع.
وقال التّوربشّتي: وجه مبالغة الملائكة في الحجامة سوى ما عرف منها من المنفعة العائدة على الأبدان: أنّ الدّم مركّب من القوى النّفسانيّة الحائلة بين العبد؛ وبين التّرقّي إلى الملكوت الأعلى، والوصول إلى الكشوف الرّوحانية وغلبته تزيد جماح النّفس وصلابتها، فإذا نزف الدّم أورثها ذلك خضوعا وجمودا ولينا ورقّة، وبذلك تنقطع الأدخنة المنبعثة عن النّفس الأمّارة، وتنحسم مادّتها؛ فتزداد البصيرة نورا إلى نورها. انتهى «مناوي» .