وأحسن العمر: ثلاث وستّون، كعمره صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ولهذا لمّا بلغ بعض العارفين هذا السّنّ، هيّأ له أسباب مماته؛ إيماء إلى أنّه لم يبق لذّة في بقيّة حياته.
والله أعلم.
(وأمّا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ف) هي مصيبة الأوّلين والآخرين من المسلمين، ولمّا كان الموت مكروها بالطّبع، لما فيه من الشّدة والمشقة العظيمة؛ لم يمت نبيّ من الأنبياء حتّى يخيّر.
وأول ما أعلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم من انقضاء عمره باقتراب أجله؛ بنزول سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)[النصر] فإنّ المراد من هذه السّورة نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي:
إنّك يا محمّد إذا فتح الله عليك البلاد، ودخل النّاس في دينك، الّذي دعوتهم إليه أفواجا؛ فقد اقترب أجلك، فتهيّأ للقائنا بالتحميد والاستغفار، فإنّه قد حصل منك مقصود ما أمرت به؛ من أداء الرّسالة والتّبليغ، وما عندنا خير لك من الدّنيا، فاستعدّ للنّقلة إلينا.
وكان عليه الصّلاة والسّلام يعرض القرآن كلّ عام على جبريل مرّة، فعرضه ذلك العام مرّتين في رمضان؛ كما في «الصّحيحين» من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
وكان عليه الصّلاة والسّلام يعتكف العشر الأواخر من رمضان كلّ عام؛ فاعتكف في ذلك العام عشرين، وأكثر معهن الذكر والاستغفار.
وروى الشيخان؛ من حديث عقبة بن عامر الجهني؛ قال:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد؛ صلاته على الميت بعد ثمان سنين، كالمودّع للأحياء والأموات، ثمّ طلع المنبر؛ فقال:
«إنّي بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإنّ موعدكم الحوض، وإنّي لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، وإنّي قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإنّي لست