للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي وفاته عبرة تامّة، ...

(ففي وفاته عبرة تامّة) للناظرين، وتبصرة للمستبصرين؛ إذ لم يكن أحد أكرم على الله منه، إذ كان خليل الله وحبيبه ونجيّه، وكان صفيّة ورسوله ونبيّه؛ فانظر، هل أمهله ساعة عند انقضاء مدته!؟ وهل أخّره لحظة بعد حضور منيّته!؟

لا؛ بل أرسل إليه الملائكة الكرام، الموكّلين بقبض أرواح الأنام؛ فجدّوا بروحه الزكية الكريمة لينقلوها، وعالجوها ليرحلوا بها عن جسده الطاهر إلى رحمة ورضوان، وخيرات حسان، بل إلى مقعد صدق في جوار الرحمن، فاشتدّ مع ذلك في النزع كربه؛ وظهر أنينه، وترادف قلقه؛ وارتفع حنينه، وتغيّر لونه وعرق جبينه، واضطربت في الانقباض والانبساط شماله ويمينه، حتى بكى لمصرعه من حضره، وانتحب لشدّة حاله من شاهد منظره؛ فهل رأيت منصب النّبوّة دافعا عنه مقدورا!! وهل راقب الملك فيه أهلا وعشيرا! وهل سامحه إذ كان للحق نصيرا؛ وللخلق بشيرا ونذيرا!!؟

هيهات؛ بل امتثل ما كان به مأمورا، واتّبع ما وجده في اللوح مسطورا، فهذا كان حاله وهو عند الله ذو المقام المحمود، والحوض المورود، وهو أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وهو صاحب الشفاعة يوم العرض، فالعجب أنّا لا نعتبر به، ولسنا على ثقة فيما نلقاه، بل نحن أسراء الشّهوات، وقرناء المعاصي والسّيّئات، فما بالنا لا نتّعظ بمصرع محمّد سيّد المرسلين، وإمام المتقين، وحبيب رب العالمين!!.

لعلنا نظنّ أنّنا مخلّدون! أو نتوهّم أنّا مع سوء أفعالنا عند الله مكرّمون!! هيهات هيهات؛ بل نتيقّن أنّا جميعا على النّار واردون، ثم لا ينجو منها إلّا المتّقون، فنحن للورود مستيقنون؛ وللصدور عنها متوهّمون.

لا؛ بل ظلمنا أنفسنا أن كنّا كذلك لغالب الظّن منتظرين، فما نحن والله من المتقين، وقد قال الله ربّ العالمين وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) [مريم] .

<<  <  ج: ص:  >  >>