مرّ عن ابن العربي أنّ أكثر ما تقع رؤيته صلى الله عليه وسلم بالقلب، ثمّ بالبصر، لكنّها به ليست كالرّؤية المتعارفة، وإنّما هو جمعيّة لحالية وحالة برزخيّة، وأمر وجدانيّ، فلا يدرك حقيقته إلّا من باشره؛ كذا قيل.
ويحتمل أنّ المراد الرّؤية المتعارفة؛ بأن يرى ذاته صلى الله عليه وسلم طائفة في العالم، أو تكشف الحجب بينه وبين النّبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو في قبره، فينظره حيّا فيه رؤية حقيقيّة، إذ لا استحالة، لكن الغالب أنّ الرّؤية إنّما هي لمثاله؛ لا لذاته، وعليه يحمل قول الغزالي «ليس المراد أن يرى جسمه وبدنه، بل مثالا له صار ذلك المثل آلة يتأدّى بها المعنى الّذي في نفسه ... » إلى آخر ما تقدّم.
قال ابن حجر: ثمّ رأيت ابن العربي صرّح بما ذكرته من أنّه لا يمتنع رؤية ذات النّبي صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده؛ لأنّه وسائر الأنبياء أحياء ردّت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا، وأذن لهم في الخروج من قبورهم، والتصرّف في الملكوت العلويّ والسّفلي!! ولا مانع من أن يراه كثيرون في وقت واحد؛ لأنّه كالشّمس.
وإذا كان القطب يملأ الكون- كما قاله التّاج ابن عطاء الله- رحمه الله تعالى- فما بالك بالنّبي صلى الله عليه وسلم!!! ولا يلزم من ذلك أنّ الرّائي صحابي؛ لأنّ شرط الصّحبة الرّؤية في عالم الملك، وهذه رؤية؛ وهو في عالم الملكوت، وهي لا تفيد صحبة، وإلّا! لثبتت لجميع أمّته لأنّهم عرضوا عليه في ذلك العالم؛ فرآهم ورأوه، كما جاءت به الأحاديث. انتهى كلام ابن حجر مقتطفا.
وقال العفيف اليافعي في «روض الرّياحين» : أخبرني بعضهم أنّه يرى حول الكعبة الملائكة والأنبياء وأكثر ما يراهم ليلة الجمعة، وليلة الاثنين، وليلة الخميس. وعدّ لي جماعة كثيرة من الأنبياء، وذكر أنّه يرى كلّ واحد منهم في موضع معيّن؛ يجلس فيه حول الكعبة، ويجلس معه أتباعه من أهله وقرابته وأصحابه.
وذكر أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم يجتمع عليه من أولياء الله تعالى خلق لا يحصي عددهم إلّا الله