إنّ لفظ «ثلاث» لم يقع في شيء من طرقه، وزيادته تفسد المعنى، وكذلك قاله الوليّ العراقيّ ...
ثم تصدّى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه؛ مطالعة وإقراء، وتصنيفا وإفتاء، وتفرّد بذلك، وشهد له بالحفظ والإتقان القريب والبعيد، والعدوّ والصديق، حتّى صار إطلاق لفظ «الحافظ» عليه كلمة إجماع، ورحل الطلبة إليه من الأقطار، وطارت مؤلفاته في حياته، وانتشرت في البلاد، وتكاتبت الملوك من قطر إلى قطر في شأنها، وهي كثيرة جدّا عدّدها السخاوي في «الضوء اللامع» ، وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة، وألحق الأصاغر بالأكابر.
واستمر على طريقته حتى مات في أواخر ذي الحجة سنة: - ٨٥٢- اثنين وخمسين وثمانمائة، وكان له مشهد لم ير مثله، ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
قال في تخريج أحاديث «الكشاف» : (إنّ لفظ «ثلاث» لم يقع في شيء من طرقه، وزيادته تفسد المعنى) ، لأن الصلاة ليست من أمور الدنيا.
(وكذلك قاله) شيخ الإسلام أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم (الوليّ) ؛ أي: ولي الدين بن زين الدين (العراقيّ) الحافظ ابن الحافظ، الإمام العلّامة المتفنّن المحقّق البارع.
ولد في سحر يوم الإثنين ثالث ذي الحجة سنة: - ٧٦٢- اثنتين وستين وسبعمائة بالقاهرة، وأحضره والده على جماعة من الشيوخ، ورحل به إلى دمشق فأحضره بها على أعيان علمائها، وأخذ عمن دبّ ودرج، وكتب الطّباق وضبط الأسماء، وتدرّب بوالده في الحديث وفنونه، وكذا في غيره من فقه وأصول وعربية ومعان وبيان، وبرع في جميع ذلك وشارك في غيرها من الفضائل، وأذن له غير واحد من شيوخه بالإفتاء والتدريس، واستمرّ يترقّى لمزيد ذكائه حتى ساد، وأبدأ وأعاد، وظهرت نجابته ونباهته، واشتهر فضله وبهر عقله، مع حسن خلقه وخلقه، وشرف نفسه، وتواضعه، وانجماعه، وصيانته وديانته، وأمانته،