مرجوح، إذ لو كان راجحا ما آثر النبيّ صلّى الله عليه وسلم غيره، وكان- مع كونه أخشى لله تعالى وأعلمهم به؛ كما صحّ في الحديث- يكثر التزوّج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطّلع عليها الرّجال؛ وقد جاء عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- من ذلك الكثير الطيّب، ولإظهار المعجزة البالغة في خرق العادة، بكونه كان لا يجد ما يتمتّع به من القوت غالبا، وإن وجد؛ فكان يؤثر بأكثره ويصوم كثيرا ويواصل، والصوم يضعف النكاح، بل هو له وجاء، ومع ذلك فكان يدور على نسائه في السّاعة الواحدة، ولا يطاق ذلك إلّا مع قوّة البدن!! وقوّة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقوّيات من مأكول ومشروب، وهي عنده- عليه الصلاة والسلام- نادرة قليلة جدّا؛ أو معدومة أصلا.
وقال بعض العلماء في حكمة زيادته على أربع: لما كان الحرّ لفضله على العبد يستبيح من النّساء أكثر ممّا يستبيح العبد؛ وجب أن يكون النّبي صلّى الله عليه وسلم لفضله على جميع الأمّة يستبيح من النّساء أكثر ممّا تستبيحه الأمّة، ولزيادة فضله على جميع الخلق لم يتقيّد ما أبيح له بعدد، ولم يقصر ما يباح له على ضعف ما يباح للحرّ فقط.
قالوا: ومن فوائد ذلك زيادة التّكليف في القيام بهنّ مع تحمّل أعباء الرّسالة، فيكون ذلك أعظم لمشاقّه وأكثر لأجره.
ومنها: أنّ النّكاح في حقّه عبادة مطلقا.
ومنها: نقل محاسنه الباطنة، فقد تزوج عليه الصلاة والسلام أمّ حبيبة بنت أبي سفيان؛ وكان أبوها في ذلك الوقت عدوه ويحاربه، وتزوّج صفيّة بنت حيي؛ وقد قتل أباها وعمّها وزوجها في غزوة خيبر، فلو لم يطّلعن من بواطن أحواله على أنّه أكمل خلق الله تعالى؛ لكانت الطباع البشريّة تقتضي نفرتهنّ عنه، وميلهن إلى آبائهنّ وقرابتهنّ، فكان في كثرة النّساء عنده بيان لمعجزاته، ولمعرفة كماله باطنا، كما عرف منه الرّجال كماله ظاهرا، وهذه حكم ونكات لا تتزاحم، بل كلّ من ظهر له شيء منها أبداه. انتهى كلام «المواهب» مع شيء من الشّرح.