(انظر سيرة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وخلقه في المال.. تجده قد أوتي خزائن الأرض ومفاتيح البلاد، وأحلّت له الغنائم؛ ولم تحلّ تدعو إليه ضرورة الحياة قائلا: (انظر سيرة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلم) ؛ أي: طريقته وهديه (وخلقه) - بضمّتين أو ضمّ فسكون- أي: سجيّته الشريفة، (في المال) ؛ أي:
في حقّ أخذه وعطائه، وامتناعه عن التلبّس بوجوده وبقائه، (تجده) - بالجزم؛ أي: تعلمه- (قد أوتي خزائن الأرض) ؛ أي: عرضت عليه (ومفاتيح البلاد) ؛ أي: أعطيت له، كما ورد في الحديث الصحيح في «مسلم» : «بينا أنا نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض؛ فوضعت في يدي» .
وفي كتاب «الوفا» ؛ عن جابر رضي الله تعالى عنه مسندا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «أتيت بمقاليد الدّنيا على فرس أبلق، عليه قطيفة من سندس» وإليه أشار الصّرصريّ رحمه الله تعالى بقوله:
بعثت مقاليد الكنوز جميعها ... تهدى إليه على سراة حصان
جعلت عليه قطيفة من سندس ... فله استقام الزّهد عن إمكان
ومثله ثابت من طرق عديدة، وهذا يدل على أنّ الله تعالى أعطاه ذلك حقيقة.
وخزائن الأرض: دفائنها ومعادنها، بأن يطلعه الله تعالى عليها، ويجعل الملائكة الموكّلين بها طوع يده. فإنّ السّلطان خزينته بيد خازنها حاضر مطيع لديه، فهذا معنى كونها في يده عرفا.
وأمّا المفاتيح!! فإن كانت بمعنى الخزائن؛ فكذلك، وإن كانت جمع مفتاح بمعنى آلة الفتح!! فإعطاؤها إرسالها؛ كما هو ظاهر الحديث السّابق.
وقيل: إنّه كناية عن فتح البلاد عليه وعلى أمّته بعده، وجباية أموالها إليهم، واستخراج كنوزها لديهم، وتلويح بالتوصّل إليها كما يتوصّل بالمفاتيح إلى ما أغلق عليه من أبوابها. انتهى شرح «الشّفا» للخفاجيّ والقاري.
(وأحلّت له الغنائم) ؛ لزيادة الفضيلة، (ولم تحلّ) بصيغة المجهول