للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهدى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خفّين أسودين ساذجين، فلبسهما، ثمّ توضّأ ومسح عليهما.

ومعنى (ساذجين) : لم يخالط سوادهما شيء آخر.

(أهدى) - من الإهداء، بمعنى: إرسال الهديّة، ويتعدّى باللّام وب «إلى» - (للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم خفّين) ؛ أي: وقميصا وسراويل وطيلسانا- كما في الباجوري- (أسودين) ؛ نعت للخفّين وكذا قوله: (ساذجين) - بفتح الذّال المعجمة وكسرها؛ أي: غير منقوشين، أو لا شعر عليهما، أو على لون واحد.

(فلبسهما) - بفاء التفريع؛ أو التعقيب- ففيه أن المهدى إليه ينبغي له التصرف في الهديّة عقب وصولها بما أهديت لأجله؛ إظهارا لقبولها ووقوعها الموقع، ووصولها وقت الحاجة إليها، وإشارة إلى تواصل المحبّة بينه وبين المهدي، حتّى أنّ هديته لها مزيّة على ما عنده؛ وإن كان أعلى وأغلى.

ولا ينحصر ذلك في التألّف ونحوه، بل مثله من يعتقد صلاحه أو علمه أو يقصد جبر خاطره، أو دفع شرّه، أو نفوذ شفاعته عنده في مهمّات النّاس، وأشباه ذلك.

ويؤخذ من الحديث أنّه ينبغي قبول الهديّة حتّى من أهل الكتاب، فإنّه كان وقت الإهداء كافرا؛ كما قاله ابن العربيّ، ونقله عنه الزّين العراقي. وفيه أيضا: عدم اشتراط صيغة، بل يكفي البعث والأخذ.

(ثمّ توضّأ؛ ومسح عليهما) ، فيه أنّ الأصل في الأشياء المجهولة الطّهارة، وفيه جواز المسح على الخفّين، وهو إجماع من يعتدّ به، وقد روى المسح على الخفّين سفرا وحضرا ثمانون صحابيا، وأحاديثه متواترة، ومن ثمّ قال بعض الحنفيّة: أخشى أن يكون إنكاره، أي: من أصله كفرا. انتهى «مناوي» .

(ومعنى ساذجين) - بفتح الذّال المعجمة وكسرها-: (لم يخالط سوادهما شيء) أي: لون (آخر) . قال المحقّق أبو زرعة؛ وليّ الدّين العراقي الحافظ ابن الحافظ: وهذه اللّفظة تستعمل في العرف لذلك المعنى، ولم أجدها في كتب اللّغة بهذا المعنى، ولا رأيت المصنّفين في غريب الحديث ذكروها؛ وقال القسطلاني:

<<  <  ج: ص:  >  >>