ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين ليلة ويوم ما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلّا شيء يواريه إبط بلال» .
ما أخفت، لأنهم في حال الأمن، وكنت وحيدا في إظهار ديني، ولم يكن أحد يوافقني في تحمل أذيّة الكفار، أو هو دعاء، أي: حفظ الله المسلمين عن الإخافة، أو مبالغة في الإخافة، وذلك معروف لغة، يقال: لي بليّة لا يبلى بها أحد.
(ولقد أوذيت) - ماض مجهول؛ من الإيذاء- (في الله) بقولهم ساحر، شاعر، مجنون، وغير ذلك، (وما يؤذى أحد) غيري بشيء من ذلك، بل كنت المخصوص بالإيذاء، لنهيي إيّاهم عن عبادة الأوثان، وأمري لهم بعبادة الرحمن.
وقال ابن القيّم: قوله في كثير من الأحاديث «في الله» يحتمل معنيين:
أحدهما أن ذلك في مرضاة الله وطاعته، وهذا فيما يصيبه باختياره.
والثاني: أنّه بسببه ومن جهته حصل ذلك، وهذا فيما يصيبه بغير اختياره، وغالب ما يجيء من الثاني، وليست «في» للظرفية، ولا لمجرّد السببية؛ وإن كانت السببية أصلها.
ألا ترى إلى خبر:«دخلت النّار امرأة في هرّة» ، فإن فيه معنى زائدا على السببية، فقولك «فعلت كذا في مرضاتك» فيه معنى زائد على فعلته لرضاك. وإن قلت: أوذيت في الله لا تقوم مقامه بسببه. انتهى.
(ولقد أتت) أي: مرّت، ومضت (عليّ) - بتشديد الياء- (ثلاثون من بين ليلة ويوم) أي: ثلاثون متواليات غير متفرقات لا ينقص منها شيء.
قال الطيبي: وهو للتأكيد الشمولي. ووجه إفادة الشّمول أنّه يفيد أنه لم يتكلم بالتسامح والتساهل، بل ضبط أول الثلاثين وآخرها، وأحصى أيامها ولياليها.
(ما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد) ؛ أي: حيوان عاقل أو دابة (إلّا شيء) أي: قليل، ولقلّته جدّا كان (يواريه) ؛ أي: يستره (إبط بلال» ) - بالكسر-:
ما تحت الجناح يذكّر ويؤنّث، يعني كان ذلك الوقت بلال رفيقي، ولم يكن لنا من