والمراد بالوضوء هنا المعنى اللّغويّ؛ وهو: غسل الكفّين.
أي: عقب الفراغ من الأكل، فيحصل بالوضوء الأوّل استمراؤه على الأكل وحصول نفعه، وزوال ضرره، وترتّب الأخلاق الكريمة والعزائم الجميلة عليه، ويحصل بالوضوء الثّاني زوال الدّسم ونحوه، المستلزم لبعد الشّيطان ودحضه.
(والمراد بالوضوء هنا) : في هذا الحديث؛ (المعنى اللّغويّ؛ وهو غسل الكفّين) كما علمت مما قرّرناه، وقول بعض الشّافعية «أراد الوضوء الشّرعيّ» !! يدفعه تصريحهم بأنّ الوضوء الشّرعيّ ليس سنّة عند الأكل. قال التّرمذيّ في «جامعه» : لا يعرف هذا الحديث؛ أي: حديث سلمان إلّا من حديث قيس بن الربيع، وهو ضعيف. انتهى.
وتمسّك به بعضهم على ندب غسل اليد قبله وبعده؛ وإن لم يكن بها لوث البتّة، ويعضده خبر الطّبراني في «الأوسط» : «الوضوء قبل الطّعام وبعده ينفي الفقر، وهو من سنن المرسلين» .
وكان حجّة الإسلام يميل إلى ذلك، حيث قال: الأكل بقصد الاستعانة على الدّين عبادة، فهو جدير بأن يقدم عليه ما يجري منه مجرى الطّهارة من الصّلاة!!
لكن ذهب النّوويّ رحمه الله تعالى إلى حمله في الغسل «بعده» ؛ على ما إذا علق بها منه شيء، وإلّا فلا يسنّ، وكذا قبله إن تحقّق نظافتها، أي: وكان يأكل وحده، وإلّا: فيظهر سنّ غسلها مطلقا، كما بحثه ابن حجر؛ تطييبا لخاطر جليسه.
ويسنّ تقديم الصّبيان على المشايخ في الغسل قبل الطّعام؛ لأنّ أيدي الصّبيان أقرب إلى الوسخ، وقد يفقد الماء لو قدم المشايخ «١» .
وأمّا بعد الطّعام! فبالعكس إكراما للشّيوخ، وهذا في غير صاحب الطّعام،
(١) قلت: وخير من هذا التعليل أن يقال: إن الصبيان أحق بالانتظار على المائدة من الشيوخ فيتهيأون قبلهم؛ فإذا غسل الشيوخ بدأوا دون انتظار أحد. «عبد الجليل» .