وأكل الشّيطان محمول على حقيقته عند جمهور العلماء سلفا وخلفا، لإمكانه شرعا وعقلا، والشارع إذا أثبت شيئا لا يخرج عن دائرة الإمكان وجب اعتقاد حقيقته، وهذا من هذا القبيل.
قال الإمام النّوويّ: الصواب الّذي عليه جماهير العلماء من السّلف والخلف؛ من المحدثين والفقهاء والمتكلمين: أنّ هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشّيطان محمولة على ظواهرها، وأنّ الشّيطان يأكل حقيقة، إذ العقل لا يحيله والشّرع لا ينكره؛ فوجب قبوله واعتقاده. انتهى.
وقال النّوويّ أيضا في «شرح مسلم» وغيره: وينبغي أن يسمّي كلّ واحد من الآكلين، فإن سمّى واحد منهم! حصل أصل السّنّة؛ نصّ عليه الشّافعي.
ويستدلّ له بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أخبر بأنّ الشّيطان إنّما يتمكّن من الطّعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه! وهذا قد ذكر اسم الله عليه.
ولأنّ المقصود يحصل بواحد؛ فهو شبيه بردّ السّلام، وتشميت العاطس، فإنّه يجزىء فيه قول أحد الجماعة. انتهى.
ولا يشكل هذا الحديث على ما قاله الإمام الشافعي!! لأنّا نقول: الحديث محمول على أنّ هذا الرّجل حضر بعد التّسمية؛ فلم تكن تلك التسمية مؤثّرة في عدم تمكّن الشّيطان من الأكل معه.. وأمّا حمله على أنّ هذا الرّجل حضر بعد فراغهم من الطّعام!. ففيه بعد؛ لأنّه خلاف ظاهر الحديث، وكلمة «ثمّ» لا تدلّ إلّا على تراخي قعود الرّجل عن أوّل اشتغالهم بالأكل؛ لا عن فراغهم منه، كما ادّعاه من حمله على هذا.
وكلام الشّافعي مخصوص بما إذا اشتغل جماعة بالأكل معا؛ وسمّى واحد منهم، فتسمية هذا الواحد تجزىء عن الحاضرين معه وقت التّسمية، لا عن شخص لم يكن حاضرا معهم وقت التّسمية، إذ المقصود من التّسمية عدم تمكّن الشّيطان من أكل الطّعام مع الإنسان، فإذا لم يحضر إنسان وقت التّسمية عند الجماعة؛ لم تؤثّر