قال:«الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي له» .
القصر في الّلازم أشهر وأفصح، والمدّ في المتعدّي أشهر وأفصح. انتهى.
قلت: وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين، قال تعالى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ [٦٣/ الكهف] . وقال تعالى في المتعدّي وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ [٥٠/ المؤمنون] . انتهى.
(قال: «الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا) ، إنّما ذكرهما هنا!! لأنّ الحياة لا تتمّ إلّا بهما؛ كالنّوم، فالثّلاثة من واد واحد، وأيضا النّوم فرع الشّبع والرّيّ، وفراغ الخاطر من المهمّات، والأمن من الشرور والآفات؛ فلذلك ذكر ما بعده أيضا بقوله:
(وكفانا) ؛ أي: دفع عنّا شرّ خلقه، (وآوانا) ؛ في كنّ نسكن فيه يقينا الحرّ والبرد، ونحرس فيه متاعنا، ونحجب به عيالنا، وهو بالمدّ، ويجوز القصر، وعلّل الحمد مبيّنا لسببه الحامل عليه؛ إذ لا يعرف قدر النّعمة إلّا بضدّها؛ بقوله:
(فكم ممّن لا كافي له) - بدون همز- (ولا مؤوي له!!) - بميم مضمومة، فهمزة ساكنة، فواو مكسورة؛ اسم فاعل من «آوى» بالمدّ- أي: كثير من خلق الله لا يكفيهم الله شرّ الأشرار، ولا يجعل لهم مسكنا؛ بل تركهم يتأذّون في الصّحاري بالبرد والحرّ؛ قاله المناوي على «الجامع» .
وقال الباجوري: والمعنى: فكم من الخلق؛ أي: كثير منهم لا كافي لهم ولا مؤوي لهم على الوجه الأكمل عادة، فالله تعالى كاف لجميع خلقه ومؤو لهم؛ ولو من بعض الوجوه، وإن كان لا يكفيهم ولا يؤويهم من بعض آخر! فلا يكفيهم شرّ أعدائهم؛ بل يسلّطهم عليهم، ولا يؤويهم إلى مأوى، بل يتركهم يتأذّون ببرد الصّحاري وحرّها.
وفي الحديث إشارة إلى عموم الأكل والشّرب لشمول الرّزق، كما يقتضيه قوله تعالى. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [٦/ الأنعام] .