فعرضها السلطان على الجلساء من الفقهاء الذين يحضرون عنده فلم يعرفوا كاتبها وطارت الأبيات، فأما الهروي فلم ينزعج من ذلك، وأما البلقيني فقام وقعد وأطال البحث والتنقيب عن ناظمها، فتقسمت الظنون واتهم شعبان الأثاري وكان مقيماً بالقاهرة وتقي الدين ابن حجة وشخص ينظم الشعر من جهة بهاء الدين المناوي أحد نواب الشافعي وغيرهم وكانت هذه الأبيات ابتدأ سقوط الهروي من عين السلطان وكانت قد أعجبت السلطان حتى صار يحفظ أكثرها ويكرر قوله: أقاربه عقارب.
فلما كان في رمضان قرئ البخاري بالقلعة على العادة فحضر الهروي وقد اختلق لنفسه أسناداً ليقرأ عليه به صحيح البخاري وأرسل إلى القارئ وهو شمس الدين الجبتي فتناوله منه وهو من أهل الفن فعرف فساده فاقتضى رأيه أن جامله، فلما ابتدأ بالقراءة قال بعد أن بسمل وحمدل وصلى ودعا: وبالسند إلى البخاري، فاستحسن ذلك منه، وخفي على الهروي قصده وظن أنه نسي الورقة، وتمادى الحضور والسلطان تارة يحضر وتارة لا يحضر إلى أن افتقد القاضي الحنبلي فسأل عن سبب تأخره، فعرفه كاتب السر أنه يزدري الهروي ويسلبه عن العلم ولا سيما الحديث، فأذن السلطان للبلقيني في حضور مجلس الحديث، فحضر وجلس بجانب الهروي، فلما بلغ ذلك القاضي الحنبلي حضر أيضاً وتجاذبا البحث، وحضر