عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدمت الأبطال، وتميزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبان هنالك الرجل الصبور، وتراشق الناس بالنبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام، بمر شراب الحمام، ودارت على البرايا، كؤوس المنايا، وألقوا بالدرق والحنويات، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع! فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها! فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديداً، ويرمون رمياً شديداً، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس، وقامت الحرب على ساق، وكلت من النظر الاحداق، اشتكت إلى أبدانها الأعناق، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب، وكثر في رمينا الصائب؛ فحمي الوطيس، وخذل إبليس أخطأت كثيراً سهامهم ومكاحلهم، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم، وحينئذ استدارت الريح دبوراً فكانت من علامات إهلاكهم، وأهلكت