للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها ما أرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من

<<  <  ج: ص:  >  >>