الله عليه وسلم: إنَّ عمَّك الشيخ الضالَّ قد مات فمن يُواريه؟ قال:" اذهب فوارِ أباك، ثم لا تُحدِثنَّ حدثا حتى تأتيني ". فذهبت فواريته ثم جئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي. مسلم عن عبد الله بن الحارث قال: سمعت العباس يقول: قلت: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل ينفعه ذلك؟ قال:" نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضَحضَاح ". مسلم عن أبي سعيد الخدريِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عند عمُّه أبو طالب فقال:" لعلَّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيُجعل في ضَحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ". مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه ".
ولما توفي أبو طالب وتوفيت خديجة بعده بأيام يسيرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، وطلب منهم المنعَة، فأقام عندهم شهرا، ولم يجد فيهم خيرا. ثم رجع إلى مكة في جوار المُطعِم بن عديّ. قيل: كان ذلك سنة إحدى وخمسين من الفيل. وفيها قَدِمَ عليه جنٌّ نصيبينَ بعد ثلاثة أشهر فأسلموا.
وأُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بعد سنة ونصف من حين رجوعه إلى مكة من الطائف، كذا في " الإستيعاب ". وقيل: إن الإسراء كان قبل موت أبي طالب وخديجة قال ابن إسحاق وغيره. ودخل صلّى الله عليه وسلم المدينة مُهاجرا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ونزل على أبي قيس كلثوم بن الهِدْم بن امرئ القيس أحد بني عمرو ابن عوف، فأقام عنده أربعة أيام، وخرج من بني عمرو بن عوف منتقلا إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم، فصلاَّها في بطن الوادي، ثم احتل المدينة فنزل على أبي أيوب خالد بن زيد بن كُليب الأنصاريّ النجاري، فلم يزل عنده حتى بُني مسجده ومساكنه، ثم انتقل إليها، وذلك في السنة الأولى من هجرته. وقيل: إنه نزل في بني عمرو بن عوف من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة، ثم خرج من عندهم غداة يوم الجمعة على راحلته معه الناس حتى مرّ ببني سالم بن عوف