وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ما خلق الله نفسا هي أكرم عليه من نفس محمد صلى الله عليه وسلم، وما أقسم بحياة أحد غيره. قال الله تعالى:) لعَمرُك إنهم لفي سَكرتهم يَعمهون (. وكان مجلسه مع أصحابه مجلس سكون ووقار، لا تُؤبن فيه الحُرَم، يُفيض معهم فيما أفاضوا فيه من أمر الدنيا ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم. يخصف النَّعل ويُرقِّع الثوب، ويركب الحمار، ويُردف العبد، ويطحن مع الخادم إذا أعيت. وكان يقبل الهدية، ويثيب عليها، ويجيب دعوة المملوك. وكان يقول " لو دُعيتُ إلى ذراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كُراع لقبلت ". لا يذمُّ طعاما؛ إن أحبّه أكله، وإن كرهه تركه. إذا رضي تهلَّل وجهه وتبسَّم، وإذا غضب أعرض وأشاح. وإذا أشار أشار بكفِّه كلِّها، وإذا تعجَّب قلبها. يركب مرة فرسا، ومرة بغلة، ومرة حمارا، ومرة يمشي حافيا راجلا، بلا رداء، بلا عمامة، بلا قَلُنسوة. يقول ناعِته: لم أرَ قبله مثله صلى الله عليه وسلم، نفعنا الله بمحبته، وحشرنا في زمرته، ولا خالف بنا عن ملَّته آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.
[ذكر حجة الوداع وخبر وفاته]
صلى الله عليه وسلم لم يحجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة غير حجة الوداع، وذلك في سنة عشر من الهجرة. وحديثها يدور على الباقر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، وقد أُذِّن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ العام، فنزل المدينة بشر كثير، كلُّهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله، ويفعل ما يفعل. فأتمَّ الناس به في مناسك الحج، وخطبهم بعرفة خطبته المشهورة، وفي ذلك اليوم أنزل الله تعالى:) اليومَ أكملتُ لكم دينكمْ، وأتممتُ عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً (.