ونحن المؤمنون. قال: فجرى الكتاب من يومئذ. وفي أيامه اختطَّت البصرة، اختطَّها عتبة بن غزوان وبويع له بالخلافة يوم مات أبو بكر باستخلافه له سنة ثلاث عشرة، فسار أحسن سيرة، وأنزل نفسه بالمال الله بمنزلة رجل من الناس، وكان لا يخاف فالله لومة لائم. وهو الذي نور شهر الصيام بصلاة الإشفاع. وهو من المهاجرين الأولين. وشهد بدراً وبيعة الرِّضوان، وكل مشهدٍ شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، وهو أول من اتَّخذ الدِّرَّة. وكان عمر رضي الله عنه مهيباً متواضعاً متقشفاً في اللباس والطعام مع وجود الليِّن منهما بترادف الفتوحات عليه، مسدَّد القول، موفقاً للصواب فيما يقضي ويفعل. فمن ذلك رسالته في القضاء إلى أبي موسى الأشعري، وهي التي جمع فيها جمل الأحكام، وأختصرها بأجود الكلام. وجعل الناس بعده يتخذونها إماماً، ولا يجد محق عنها معدلاً ولا ظالم عن حدودها محيطاً. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد، فأن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة. فافهم إذا أدلي إليك، وانفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع التكلم بحقًّ لا نفاذ له. أس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع الشريف في حيفك، ولا ييأس الضعيف بن عدلك. البيَّنة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلى صلحاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً. لا يمنعنَّك قضاء قضيته اليوم فراجعة فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، والرجوع إلى الحق خير من التَّمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا في سنَّةٍ. ثم اعرف الأشباه والأمثال؛ فقس الأمور عند ذلك، واعمل إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق واجعل لمن ادَّعى حقاً غابئاً أو بيِّنةً، أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بيِّنة أخذت له بحقه، وإلا استحللت القضَّية عليه، فإن ذلك أجلى للشك وأنفى للعمى، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلى مجلوداً في حدٍّ أو مجرباً عليه شهادة زور أو ضنيناً في ولاء أو نسب فإن الله تولى منكم ... درأ بالبينات والأيمان. وإياك والقلق والضجر والتأدِّي بالخصوم والتنكر عند الخصومات؛ فإن