تخرج بالنهار فحمل عمر عنها القرب حتى بلغ منزلها، وقال: أغدي على عمر غدوة يخدمك خادماً. وقالت: لا أصل إليه. قال: أنكي ستجدينه إن شاء تعالى. قال فغدة عليه، فإذا هي به، فعرفة أنه الذي حمل قربتها، فذهب توليِّ فأرسل في أثرها وأمر لها بخادم ونفق. وقال الطاووس: أجدب الناس على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما أكل سمناً ولا سميناً حتى أكل الناس.
وقال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صوحان: صف بي عمر بن الخطاب، فقال: كان عالماً برعيتها، عادلاً في قضيته، عارياً من الكبر، قابلاً للعذر. سهل الحجاب، مصون الباب، متحرِّياً للصواب، رفيقاً بالضعيف، غير محابٍ للقريب، ولا جافٍ للغريب.
وقال علي بن أبي طالب: ما رأيت عمر بن الخطاب يغدو على قتل، فقلت: يا أمير المؤمنين، إلى أين؟ فقال: بعير ند من الصدقة أطلبه. فقلت: لقد ذللت الخلفاء بعدك يا أمير المؤمنين. فقال: لا تلمني يا أبى الحسن، فوالذي بعث محمداً بن نبوَّة لو أن سخلة ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة إنه لا حرمة لوالٍ ضيع المسلمين.
ويروى عنه أنه لما قدم الشام لقيته الجنود وعليه إزار وعمامة وخفَّان وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء. وقد خلع خفَّيه وجعلها تحت إبطيه. فقالوا يا أمير المؤمنين لآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام أنت على هذا الحال. فقال: إنا قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزَّ بغيره.
مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة بن الجرِّاح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم، وما يتخوَّف منهم. فكتب إليه عمر:" أما بعد فإنه مهما ينزل بعبدٍ مؤمنٍ من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً. وإنه لن يغلب عسر بيسيرين. وإن الله عز وجلَّ يقولً في كتابه: " يا أيُّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تُفلحون ".