مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجراءة والجبن غرائز يضعها الله حيث يشاء فالجبان يفرِّ عن أبيه وأمِّه والجريء يقاتل عمَّن لا يؤوب به إلى رحلةٍ والقتل حتف من الحتوف. والشهيد من احتسب نفسه على الله. وروي أنه أتاه ابن له قد تخرق إزاره فقال: اقطعه وانكسه. وإياك أن تكون من الذين يجعلون ما رزقهم الله على بطونهم وعلى ظهورهم.
وقال حميد بن هلال العدويُّ: نهي عمر عن السمن واللحم أن يجمع بينهم، فدخل عبيد الله بن عمر على عبد الله بن عمر. فقدَّم إليه خبزاً ولحماً فقال عبيد الله: ما أنا بطاعم من طعامك حتى تفرغوا عليه سمناً. فقال عبد الله: ألم تسمع نهى أمير المؤمنين؟ فقال: ما أنا بفاعل فقالت صفية بنت أبي عبيد: لا تحرم أخاك طعامك، فجيء بسمن فأفرغ عليه. فبينما هو موضوع لم يصيبوا منه إذا عمر إلى الباب، فقال: ما لكم ولطعامكم؟ فالهوا عمر بيدهم إليه فوجد طعم السن. فمال على الخادم ضرباً. فقالت الخادم: ما ذنبي؟ إنما فعلت ما أمرت به. ومال على صفيَّة فضربها حتى سقط خمارها. فجاءت تسعى حتى دخلت البيت وأغلقته دونه ثم جاء فمثل قائماً على عبد الله، ثم انصرف عنه وقال: لا تنخِّلوا فإنه طعام كلُّه. وقال إبراهيم النَّخعيُّ إن عمر بن الخطاب بعث مصدقين فأبطؤوا عليه، وبا الناس حاجة شديدة. فجاؤوا بالصدقات فقام فيها متَّزراً بعباءة يختلف في أوَّلها وآخرها: هذه لآل فلان وهذه لآل فلان، حتى انتصف النهار وجاع، فدخل بيته حتى إذا أمكن أكله أكله ثم قال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.
وعن قتادة قال: قدم عمر الشام، فصنع له طعاماً لم ير قبله مثله. قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد ابن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر وقال: لئن كان حظُّنا في هذا الحطام وذهبوا بالجنة باينونا بوناً بعيداً. وقال جرير بن حازمٍ الجهضميُّ: قال الحسن البصري: قدم على أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعريِّ قال: فكنَّ ندخل عليه، وله خبز يلتُّ. فربَّما وافقنا هامأ دومةً بسمنٍ، وأحياناً بالزيت وأحياناً باللبن، وربما وافقنا القديد اليابسة قد دقَّت ثم أغليت بماء. وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل. فقال لنا يوماً: إني والله أرى