تعذيركم وكراهيتكم لطعامي، إني لو شئت كنت أطيبكم طعاماً وأرقكم عيشاً. أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمةٍ وعن صلاء وصناب وصلائق. قال جرير: الصِّلاء: الشواء، والصِّناب: الخردل، والصلائق: الخبز الرقاق. ولكن سمعت الله عيَّر قوماً بأمرٍ فعلوه فقال:) أذهبتم طيباتكم في حياتِكمُ الدنيا واستمعتم بها (.
وقال عاصم بن بهدلة: كان عمر بن الخطاب إذا استعمل العامل اشترط عليه ألاَّ يركب برذوناً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقياً، ولا يغلق باباً عن حوائج الناس وما يصلحهم. وإني لا أستعملك على أبشارهم ولا أغراضهم. وإنما استملتك لتصلِّي بهم وتقضي بينهم وتقسم بالعدل.
وكان رضي الله عنه يحب الجدِّ والقوة في دين الله، ويكره التماوت فيه مخافة أن يبدي فاعله غير ما يخيفه. يروى أن عائشة رحمها الله نظرت إلى رجلٍ متماوتٍ فقالت: من هذا؟ فقالوا: أحد القراء. قالت: فقد كان عمر بن الخطاب قارئاً، فكان إذا قال أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع. ويروى أنه نظر إلى رجلٍ. مظهرٍ للنُّسك متماوتٍ فخفقه بالدِّرَّة، وقال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله. وقال للذي يطأطئ رقبته ويطهر للخشوع: يا هذا، ليس الخشوع في الرقبة، إنما الخشوع في القلب.
وكان رضي الله عنه يقول: كفى بك سرفاً ألا تشتهينَِّ شيئاً إلا اشتريته وأكلته. وقال عيسى بن دينار: إنَّ فتى من الأنصار كان جالساً عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: كيف نفقتك اليوم يا فلان؟ فقال: يا أمير المؤمنين الحسنة بين السيئتين. فقال له عمر: وكيف! قال: يقول الله تعالى: " والذين إذا أنْفقوا لم يُسرِفوا ولم يَقْتُروا، وكان بينَ ذلك قواماً " فالإسراف سيِّئة والإقتار سيئة، والقوام بين ذلك حسنة. قال: فكان عمر بن الخطاب يتعجب من فضل عقله حتى لقي الله تعالى.