وطلب إليه عبد الله بن خالد بن أُسيد صلة فأعطاه أربعمئة ألف درهم. وسيَّر أبا ذر إلى الرَّبذة. وسيَّر عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام. وقال غير ابن قتيبة: لم يفعل هذا عثمان رضي الله عنه إلا بتأويل أصاب فيه، وأمر جائز له. ولو لم يُجز ما سكت عليه عليٌّ وأكابر الصحابة. وكان عثمان أتقى لله من أن يعطي ما لا يحلُّ، ويهب ما هو محجور. وقد قيل له رضي الله عنه حين آثر قرابته وولاَّهم: هلاَّ فعلت مثل ما فعل عمر؟ لم يؤثر من قرابته أحدا على غيرهم، ولم يولِّهم. فقال: كان عمر يقطع قرابته في الله، وأنا أصلهم في الله. وأمَّا أيواؤه رضي الله عنه عمَّه الحكم الطريد فإنه ذكر أنه استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ردِّه إن أفضى إليه الأمر، فأذن له في ذلك، وصدق فيما قال وبرّ. وأما تسيير أبي ذر إلى الربذة فأمر قدِّر محتوم، تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين رأى أبا ذر في ناحية من العسكر وحده:" يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده ". فكان كما قال صلى الله عليه وسلم؛ مات بالربذة وحده.
وأمَّا تسيير عامر بن عبد قيس فإن عبد الله بن عامر وحمران مولى عثمان، كتبا فيه إلى عثمان بأمور كان مُبرَّأ منها، والله حسيب من رماه بها.
ولما كثر الطعن على عثمان سار إليه قوم من أهل مصر منهم: محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة في جند، وكنانة بن بشر التَّجيبيُّ في جند، وابن عُديس البلويُّ في جند. ومن أهل الصرة حُكيم بن جبلة العبديُّ وسدوس بن عبيد الشنِّيُّ. ونفر من أهل الكوفة منهم: الأشتر بن الحارث النخعيُّ، فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم. ثم وجد أهل مصر بعد أن انصرفوا بمحمد بن أبي بكر أميرا على مصر في الطريق غلاما ومعه راحلة. فقالوا: لمن أنت يا غلام؟ فجعل يقول مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، ومرَّة يقول: أنا غلام مروان. ففتَّشوه فوجدوا معه كنانة تقلقل، ليس لها فم، فشقوها فوجدوا فيها كتابا عليه خاتم عثمان إلى أمير مصر:" إذا أتاك القوم فضرِّب رقابهم، واثبت على عملك حتى يأتيك أمري ".