قال: ففزع محمد بن أبي بكر ومن معه، ورجعوا إلى المدينة بالكتاب، وأروه عليا وأكابر الصحابة، فأعظموا ذلك ودخلوا على عثمان، ودفعوا إليه الكتاب فحلف لهم أنه لم يأمر ولم يعلم، وصدق فيما قال. قالوا: فهذا عليك شديد، يؤخذ خاتمك بغير علمك وراحلتك، وهذا خطُّ مروان، فإذ كنت غُلبت على أمرك فاعتزل أو ادفع إلينا مروان. فأبى أن يعتزل ويدفع إليهم مروان، وأن يقاتلهم، ونهى عن ذلك، وأغلق بابه فحوصر حتى قتل رحمه الله.
وكان مع عثمان في الدار حين حوصر ممن يريد الدفع عنه: أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن سلام وعبد الله بن الزبير والحسن بن عليّ، وكان شديد الحب لعثمان، قائلا بفضله، وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم والمغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفيّ ويومئذ قُتل المغيرة قبل قتل عثمان رحمه الله. وعن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمان في الدار، قال: فرُمي برجل منَّا فقلت: يا أمير المؤمنين الآن طاب الضِّراب؛ قتلوا منَّا رجلا. قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك، فإنما تُراد نفسي. قال أبو هريرة: فرميت سيفي، فلا أدري أين هو حتى الساعة.
وكتب عثمان إلى علي، وهو بماله بيَنْبُعْ حين اشتدَّ عليه المر: " أما بعد، فقد بلغ السيل الزُّبى، وجاوز الحزام الطِّبيين، وطمع فيَّ من كان يضعف عن نفسه. ولم يغلبك مثل مُغلَّب. فأقبل إليَّ عليَّ كنت أم لي، صديقا كنت أم عدوّاً:
قال الواقديُّ: حاصروا عثمان تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما. وكان أول من دخل عليه الدار محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، فقال له: دعها يا ابن أخي، فوالله لقد كان أبوك يكرمها. فاستحيا وخرج. وقيل: أنه دخل عليه بعد محمد ثلاثة من أهل مصر، فضربه أحدهم بسيفه فاتَّقاه بيده اليمنى، فقطعها، فقال: أما إنها لأول يد خطَّت القرآن. ثم