للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمنيت لي ما أحبُّ أن تموت حتى تأتي على أحد طرفيك؛ إمَّا قُتلت فأحتسبك، وإمَّا ظفرت بعدوِّك، فقرَّت عيني. قال عروةُ: فالتفت إليَّ عبد الله فضحك. فلما كان في اليوم الذي قُتل فيه دخل عليها في المسجد. فقالت له: يابُنيَّ لا تقبلن منهم خطَّة تخاف فيها على نفسك الذلَّ مخافة القتل. فوالله لضربة بسيف في عزٍّ خير من ضربة بسوط في مَذَلَّة. قال: فخرج وقد جعل له مصراع عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قُريش، فقال: ألا نفتحُ لك باب الكعبة؟ فقال عبد الله: من كلِّ شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه. والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم. وهل حُرمة المسد إلا كحُرمة البيت؟ ثم تمثَّل:

ولستُ بمُبتاعِ الحياةِ بسُبَّةٍ ... ولا مُرتَقٍ من خشيةِ الموت سُلَّما

وشد عليه أصحاب الحجاج من أبواب المسجد الحرام. فقال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم ولا تسلوا عني فإني في الرَّعيل الأول. قال: ففعلوا. ثم حملوا عليهم وحملوا عليه. فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد وهزمهم ثلاث مرات، حتى أقبل عليه حجر من ناحية الصَّفا فضربه بين عينه، فنكَّس رأسه وهو يقول:

لست على الأعقابِ تَدمى كلومُنا ... ولكنْ على أعقابنا يقطر الدَّمُ

هكذا تمثَّل به الزبير بن بكار، قال: ثم أجمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه. ولما قُتل كبَّر أهلُ الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبِّرون عليه يوم وُلد خير من المكبِّرين عليه يوم قُتل.

وبعث الحجاجُ برأس عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجُحميِّ ورأس عُمارة بن عمر بن حزم الأنصاريِّ البخاريِّ إلى المدينة، فنُصبوا بها. ثم بعثوا برؤوسهم إلى عبد الملك، وصُلبت جثة ابن الزبير على ثَنيَّةِ أهل المدينة عند المقابر.

مسلم: حدَّثنا عقبةُ بن مُكرَمٍ العَمِّيُّ قال: نا يعقوب يعني ابن إسحاق

<<  <  ج: ص:  >  >>